ممّا يصلح للتقطّع وهو الاتّصال. فيقدّر : لقد تقطّع الحبل أو نحوه. قال تعالى : (وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ) [البقرة : ١٦٦]. وقد صار هذا التّركيب كالمثل بهذا الإيجاز. وقد شاع في كلام العرب ذكر التقطّع مستعارا للبعد وبطلان الاتّصال تبعا لاستعارة الحبل للاتّصال ، كما قال امرؤ القيس :
تقطّع أسباب اللّبانة والهوى |
|
عشيّة جاوزنا حماة وشيزرا |
فمن ثمّ حسن حذف الفاعل في الآية على هذه القراءة لدلالة المقام عليه فصار كالمثل. وقدّر الزمخشري المصدر المأخوذ من (تَقَطَّعَ) فاعلا ، أي على إسناد الفعل إلى مصدره بهذا التّأويل ، أي وقع التقطّع بينكم. وقال التفتازانيّ : «الأولى أنّه أسند إلى ضمير الأمر لتقرّره في النّفوس ، أي تقطّع الأمر بينكم».
وقريب من هذا ما يقال : إنّ (بَيْنَكُمْ) صفة أقيمت مقام الموصوف الّذي هو المسند إليه ، أي أمر بينكم ، وعلى هذا يكون الاستعمال من قبيل الضّمير الّذي لم يذكر معاده لكونه معلوما من الفعل كقوله : (حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ) [ص : ٣٢] ، لكن هذا لا يعهد في الضّمير المستتر لأنّ الضّمير المستتر ليس بموجود في الكلام وإنّما دعا إلى تقديره وجود معاده الدّال عليه. فأمّا والكلام خليّ عن معاد وعن لفظ الضّمير فالمتعيّن أن نجعله من حذف الفاعل كما قرّرته لك ابتداء ، ولا يقال : إنّ (تَوارَتْ بِالْحِجابِ) ليس فيه لفظ ضمير إذ التّاء علامة لإسناد الفعل إلى مؤنّث لأنّا نقول : التّحقيق أنّ التّاء في الفعل المسند إلى الضّمير هي الفاعل.
وعلى قراءة الرّفع جعل (بَيْنَكُمْ) فاعلا ، أي أخرج عن الظّرفية وجعل اسما للمكان الّذي يجتمع فيه ما صدق الضمير المضاف إليه اسم المكان ، أي انفصل المكان الّذي كان محلّ اتّصالكم فيكون كناية عن انفصال أصحاب المكان الّذي كان محلّ اجتماع.
والمكانية هنا مجازيّة مثل (لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ) [الحجرات : ١].
وقوله : (وَضَلَّ عَنْكُمْ) عطف على (تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ) وهو من تمام التهكّم والتأييس. ومعنى ضلّ : ضدّ اهتدى ، أي جهل شفعاؤكم مكانكم لمّا تقطّع بينكم فلم يهتدوا إليكم ليشفعوا لكم. و (ما) موصولة ما صدقها الشفعاء لاتّحاد صلتها وصلة (الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكاءُ) ، أي الّذين كنتم تزعمونهم شركاء ، فحذف مفعولا الزّعم لدلالة نظيره عليهما في قوله : (زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكاءُ) ، وعبّر عن الآلهة ب (ما) الغالبة في غير العاقل لظهور عدم جدواها ، وفسّر ابن عطيّة وغيره ضلّ بمعنى غاب وتلف وذهب ،