جاءَهُمْ) أي أنكروا كون القرآن من عند الله ، وكونه آية على صدق الرسول ، وزعموا أنّه لو كان من عند الله لنزل في صورة كتاب من السماء ، فإنّهم قالوا : (لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً) وقالوا (حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ) فكان قوله : (فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ) مشتملا بالإجمال على أقوالهم فصحّ مجيء الحال منه. وما بينهما اعتراض أيضا.
وعلى الوجه الأول فالكتاب الشيء المكتوب سواء كان سفرا أم رسالة ، وعلى الثاني فالمراد بكتاب سفر أي مثل التوراة.
والخطاب للنبي صلىاللهعليهوسلم لا محالة لأنّ كلّ ينزل من القرآن موجّه إليه لأنّه المبلّغ ، فانتقال الخطاب إليه بعد الحديث عن ذوي ضمائر أخرى لا يحتاج إلى مناسبة في الانتقال. وليس يلزم أن يكون المراد كتابا فيه تصديقه بل أعمّ من ذلك.
وقوله : (فِي قِرْطاسٍ) صفة لكتاب ، والظرفية مجازية من ظرفية اسم الشيء في اسم جزئه. والقرطاس ـ بكسر القاف ـ على الفصيح ، ونقل ـ ضمّ القاف ـ وهو ضعيف. وهو اسم للصحيفة التي يكتب فيها ويكون من رقّ ومن بردى ومن كاغد ، ولا يختصّ بما كان من كاغذ بل يسمّى قرطاسا ما كان من رقّ. ومن النّاس من زعم أنّه لا يقال قرطاس إلّا لما كان مكتوبا وإلّا سمّي طرسا ، ولم يصحّ. وسمّى العرب الأديم الذي يجعل غرضا لمتعلّم الرمي قرطاسا فقالوا : سدّد القرطاس ، أي سدّد رميه. قال الجواليقي : القرطاس تكلّموا به قديما ويقال : إنّ أصله غير عربي. ولم يذكر ذلك الراغب ولا لسان العرب ولا القاموس ، وأثبته الخفاجي في شفاء الغليل. وقال : كان معرّبا فلعلّه معرّب عن الرومية ، ولذلك كان اسم الورقة في لغة بعضهم اليوم (كارتا).
وقوله : (فَلَمَسُوهُ) عطف على (نَزَّلْنا). واللمس وضع اليد على الشيء لمعرفة وجوده ، أو لمعرفة وصف ظاهره من لين أو خشونة ، ومن برودة أو حرارة ، أو نحو ذلك. فقوله : (بِأَيْدِيهِمْ) تأكيد لمعنى اللمس لرفع احتمال أن يكون مجازا في التأمّل ، كما في قوله تعالى : (وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّماءَ فَوَجَدْناها مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً) ، وللإفصاح عن منتهى ما اعتيد من مكابرتهم ووقاحتهم في الإنكار والتكذيب ، وللتمهيد لقوله : (لَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ) لأنّ المظاهر السحرية تخيّلات لا تلمس.
وجاء قوله : (الَّذِينَ كَفَرُوا) دون أن يقول : لقالوا ، كما قال : (فَلَمَسُوهُ) إظهارا في مقام الإضمار لقصد تسجيل أنّ دافعهم إلى هذا التعنّت هو الكفر ، لأنّ الموصول يؤذن