على ظهر الأرض أو بطنها ومستودع في أصلاب الرّجال ، ومنهم مستقرّ في القبر مستودع على ظهر الأرض ، فكلّ مستقرّ أو مستودع بمعنى من هذه المعاني داخل في عموم قوله : (فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ) ا ه.
وقال ابن عطيّة : الّذي يقتضيه النّظر أنّ ابن آدم هو مستودع في ظهر أبيه وليس بمستقرّ فيه لأنّه ينتقل لا محالة ثمّ ينتقل إلى الرّحم ثمّ ينتقل إلى الدّنيا ثمّ ينتقل إلى القبر ثمّ ينتقل إلى الحشر ثمّ ينتقل إلى الجنّة أو النّار. وهو في كلّ رتبة بين هذين الظرفين مستقرّ بالإضافة إلى الّتي قبلها ومستودع بالإضافة إلى الّتي بعدها ا ه.
والأظهر أن لا يقيّد الاستيداع بالقبور بل هو استيداع من وقت الإنشاء ، لأنّ المقصود التّذكير بالحياة الثّانية ، ولأنّ الأظهر أنّ الواو ليست للتّقسيم بل الأحسن أن تكون للجمع ، أي أنشأكم فشأنكم استقرار واستيداع فأنتم في حال استقراركم في الأرض ودائع فيها ومرجعكم إلى خالقكم كما ترجع الوديعة إلى مودعها. وإيثار التّعبير بهذين المصدرين ما كان إلّا لإرادة توفير هذه الجملة.
وعلى قراءة ـ كسر القاف ـ هو اسم فاعل. (وَمُسْتَوْدَعٌ) اسم مفعول ، والمعنى هو هو.
وقوله : (قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ) تقرير لنظيره المتقدّم مقصود به التّذكير والإعذار.
وعدل عن (يعلمون) إلى (يَفْقَهُونَ) لأنّ دلالة إنشائهم على هذه الأطوار من الاستقرار والاستيداع وما فيهما من الحكمة دلالة دقيقة تحتاج إلى تدبّر ، فإنّ المخاطبين كانوا معرضين عنها فعبّر عن علمها بأنّه فقه ، بخلاف دلالة النّجوم على حكمة الاهتداء بها فهي دلالة متكرّرة ، وتعريضا بأنّ المشركين لا يعلمون ولا يفقهون ، فإنّ العلم هو المعرفة الموافقة للحقيقة ، والفقه هو إدراك الأشياء الدّقيقة. فحصل تفصيل الآيات للمؤمنين وانتفى الانتفاع به للمشركين ، ولذلك قال بعد هذا (إِنَّ فِي ذلِكُمْ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) [الأنعام: ٩٩].
[سورة الأنعام (٦) : آية ٩٩]
(وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ نَباتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنا مِنْهُ خَضِراً نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَراكِباً وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِها قِنْوانٌ دانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنابٍ وَالزَّيْتُونَ