إبراهيم عليهالسلام (وَكَيْفَ أَخافُ ما أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً) [الأنعام : ٨١] ، ومن وراء ذلك إثبات أنّ المتصرّف المطلق في أحوال الموجودات هو الله تعالى بعد أن أثبت بالجمل السابقة أنّه محدث الموجودات كلّها في السماء والأرض ، فجعل ذلك في أسلوب تثبيت للرسول صلىاللهعليهوسلم على عدم الخشية من بأس المشركين وتهديدهم ووعيدهم ، ووعده بحصول الخير له من أثر رضى ربّه وحده عنه ، وتحدّي المشركين بأنّهم لا يستطيعون إضراره ولا يجلبون نفعه. ويحصل منه ردّ على المشركين الذين كانوا إذا ذكّروا بأنّ الله خالق السماوات والأرض ومن فيهن أقرّوا بذلك ، ويزعمون أنّ آلهتهم تشفع عند الله وأنّها تجلب الخير وتدفع الشرّ ، فلمّا أبطلت الآيات السابقة استحقاق الأصنام الإلهية لأنّها لم تخلق شيئا ، وأوجبت عبادة المستحقّ الإلهية بحقّ ، أبطلت هذه الآية استحقاقهم العبادة لأنّهم لا يملكون للناس ضرّا ولا نفعا ، كما قال تعالى : (قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً) [المائدة : ٧٦] وقال عن إبراهيم عليهالسلام : (قالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ) [الشعراء : ٧٣].
وقد هيّأت الجمل السابقة موقعا لهاته الجملة ، لأنّه إذا تقرّر أنّ خالق الموجودات هو الله وحده لزم من ذلك أنّه مقدّر أحوالهم وأعمالهم ، لأنّ كون ذلك في دائرة قدرته أولى وأحقّ بعد كون معروضات تلك العوارض مخلوقة له. فالمعروضات العارضة للموجودات حاصلة بتقدير الله لأنّه تعالى مقدّر أسبابها ، واضع نظام حصولها وتحصيلها ، وخالق وسائل الدواعي النفسانية إليها أو الصوارف عنها.
والمسّ حقيقته وضع اليد على شيء. وقد يكون مباشرة وقد يكون بآلة ، ويستعمل مجازا في إيصال شيء إلى شيء فيستعار إلى معنى الإيصال فيكثر أن يذكر معه ما هو مستعار للآفلة. ويدخل عليه حرف الآلة وهو الباء كما هنا ، فتكون فيه استعارتان تبعيتان إحداهما في الفعل والأخرى في معنى الحرف ، كما في قوله : (وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ) [الأعراف : ٧٣]. فالمعنى : وإن يصبك الله بضرّ ، أو وإن ينلك من الله ضرّ.
والضرّ ـ بضم الضاد ـ هو الحال الذي يؤلم الإنسان ، وهو من الشرّ ، وهو المنافر للإنسان. ويقابله النفع ، وهو من الخير ، وهو الملائم. والمعنى إن قدّر الله لك الضرّ فهلّا يستطيع أحد كشفه عنك إلّا هو إن شاء ذلك ، لأنّ مقدّراته مربوطة ومحوطة بنواميس ونظم لا تصل إلى تحويلها إلّا قدرة خالقها.