فحبست ناقتي عن السير. قال ذو الرمّة :
وقفت على ربع لميّة ناقتي |
|
فما زلت أبكي عنده وأخاطبه |
فحذفوا مفعول (وقفت) لكثرة الاستعمال. ويقال : وقفه فوقف ، ولا يقال : أوقفه بالهمزة.
وعطف عليه (فَقالُوا) بالفاء المفيدة للتعقيب ، لأنّ ما شاهدوه من الهول قد علموا أنّه جزاء تكذيبهم بإلهام أوقعه الله في قلوبهم أو بإخبار ملائكة العذاب ، فعجّلوا فتمنّوا أن يرجعوا.
وحرف النداء في قولهم : (يا لَيْتَنا نُرَدُّ) مستعمل في التحسّر ، لأنّ النداء يقتضي بعد المنادى ، فاستعمل في التحسّر لأنّ المتمنّى صار بعيدا عنهم ، أي غير مفيد لهم ، كقوله تعالى : (أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ) [الزمر : ٥٦].
ومعنى (نُرَدُّ) نرجع إلى الدنيا ؛ وعطف عليه (وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) برفع الفعلين بعد (لا) النافية في قراءة الجمهور عطفا على (نُرَدُّ) ، فيكون من جملة ما تمنّوه ، ولذلك لم ينصب في جواب التمنّي إذ ليس المقصود الجزاء ، ولأنّ اعتبار الجزاء مع الواو غير مشهور ، بخلافه مع الفاء لأنّ الفاء متأصّلة في السببية. والردّ غير مقصود لذاته وإنّما تمنّوه لما يقع معه من الإيمان وترك التكذيب. وإنّما قدّم في الذكر ترك التكذيب على الإيمان لأنّه الأصل في تحصيل المتمنّى على اعتبار الواو للمعية واقعة موقع فاء السببية في جواب التمنّي.
وقرأه حمزة والكسائي (وَلا نُكَذِّبَ) ـ و (نَكُونَ) ـ بنصب الفعلين ـ ، على أنّهما منصوبان في جواب التمنّي. وقرأ ابن عامر (وَلا نُكَذِّبَ) ـ بالرفع ـ كالجمهور ، على معنى أنّ انتفاء التكذيب حاصل في حين كلامهم ، فليس بمستقبل حتى يكون بتقدير (أن) المفيدة للاستقبال. وقرأ (وَنَكُونَ) ـ بالنصب ـ على جواب التمنّي ، أي نكون من القوم الذين يعرفون بالمؤمنين. والمعنى لا يختلف.
وقوله : (بَلْ بَدا لَهُمْ ما كانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ) إضراب عن قولهم (وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ). والمعنى بل لأنّهم لم يبق لهم مطمع في الخلاص.
وبدا الشيء ظهر. ويقال : بدا له الشيء إذا ظهر له عيانا. وهو هنا مجاز في زوال الشكّ في الشيء ، كقول زهير :