ولقاء الله هو ظهور آثار رضاه وغضبه دون تأخير ولا إمهال ولا وقاية بأسباب عادية من نظام الحياة الدنيا ، فلمّا كان العالم الأخروي وهو ما بعد البعث عالم ظهور الحقائق بآثارها دون موانع ، وتلك الحقائق هي مراد الله الأعلى الذي جعله عالم كمال الحقائق ، جعل المصير إليه مماثلا للقاء صاحب الحق بعد الغيبة والاستقلال عنه زمانا طويلا ، فلذلك سمّي البعث ملاقاة الله ، ولقاء الله ومصيرا إلى الله ، ومجيئا إليه ، في كثير من الآيات والألفاظ النبوية ، وإلّا فإنّ الناس في الدنيا هم في قبضة تصرّف الله لو شاء لقبضهم إليه ولعجّل إليهم جزاءهم. قال تعالى : (وَلَوْ يُعَجِّلُ اللهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ) [يونس : ١١]. ولكنّه لمّا أمهلهم واستدرجهم في هذا العالم الدنيوي ورغّب ورهّب ووعد وتوعّد كان حال الناس فيه كحال العبيد يأتيهم الأمر من مولاهم الغائب عنهم ويرغّبهم ويحذّرهم ، فمنهم من يمتثل ومنهم من يعصي ، وهم لا يلقون حينئذ جزاء عن طاعة ولا عقابا عن معصية لأنّه يملي لهم ويؤخّرهم ، فإذا طوي هذا العالم وجاءت الحياة الثانية صار الناس في نظام آخر ، وهو نظام ظهور الآثار دون ريث ، قال تعالى : (وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً) [الكهف : ٤٩] ، فكانوا كعبيد لقوا ربّهم بعد أن غابوا وأمهلوا. فاللقاء استعارة تمثيلية : شبّهت حالة الخلق عند المصير إلى تنفيذ وعد الله ووعيده بحالة العبيد عند حضور سيّدهم بعد غيبة ليجزيهم على ما فعلوا في مدّة المغيب. وشاع هذا التمثيل في القرآن وكلام الرسول صلىاللهعليهوسلم ، كما قال : «من أحبّ لقاء الله أحبّ الله لقاءه» ، وفي القرآن (لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ) [غافر : ١٥].
وقوله : (حَتَّى إِذا جاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً) (حتّى) ابتدائية ، وهي لا تفيد الغاية وإنّما تفيد السببية ، كما صرّح به ابن الحاجب ، أي فإذا جاءتهم الساعة بغتة. ومن المفسّرين من جعل مجيء الساعة غاية للخسران ، وهو فاسد لأنّ الخسران المقصود هنا هو خسرانهم يوم القيامة ، فأمّا في الدنيا ففيهم من لم يخسر شيئا. وقد تقدّم كلام على (حتّى) الابتدائية عند قوله تعالى : (وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها حَتَّى إِذا جاؤُكَ يُجادِلُونَكَ) في هذه السورة [٢٥]. وسيجيء لمعنى (حتى) زيادة بيان عند قوله تعالى : (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ ـ إلى قوله ـ حَتَّى إِذا جاءَتْهُمْ رُسُلُنا) في سورة الأعراف [٣٧].
والساعة : علم بالغلبة على ساعة البعث والحشر.
والبغتة فعلة من البغت ، وهو مصدر بغته الأمر إذا نزل به فجأة من غير ترقّب ولا