وأمّا قوله : (فِي السَّماءِ) فوصف به (سُلَّماً) ، أي كائنا في السماء ، أي واصلا إلى السماء. والمعنى تبلغ به إلى السماء. كقول الأعشى :
ورقّيت أسباب السّماء بسلّم
والمعنى : فإن استطعت أن تطلب آية من جميع الجهات للكائنات. ولعلّ اختيار الابتغاء في الأرض والسماء أنّ المشركين سألوا الرسول ـ عليه والصلاة والسلام ـ آيات من جنس ما في الأرض ، كقولهم (حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً) [الإسراء : ٩٠] ، ومن جنس ما في السماء ، كقولهم : (أَوْ تَرْقى فِي السَّماءِ) [الإسراء : ٩٣].
وقوله : (بِآيَةٍ) أي بآية يسلّمون بها ، فهنالك وصف محذوف دلّ عليه قوله : (إِعْراضُهُمْ) ، أي عن الآيات التي جئتهم بها.
وجواب الشرط محذوف دلّ عليه فعل الشرط ، وهو (اسْتَطَعْتَ). والشرط وجوابه مستعملان مجازا في التأييس من إيمانهم وإقناعهم ، لأنّ الله جعل على قلوبهم أكنّة وفي آذانهم وقرا وإن يروا كلّ آية لا يؤمنوا بها.
ويتعيّن تقدير جواب الشرط ممّا دلّ عليه الكلام السابق ، أي فأتهم بآية فإنّهم لا يؤمنون بها ، كما يقول القائل للراغب في إرضاء ملحّ. إن استطعت أن تجلب ما في بيتك ، أي فهو لا يرضى بما تقصر عنه الاستطاعة بله ما في الاستطاعة. وهو استعمال شائع ، وليس فيه شيء من اللوم ولا من التوبيخ ، كما توهّمه كثير من المفسّرين.
وقوله : (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى) شرط امتناعي دلّ على أنّ الله لم يشأ ذلك ، أي لو شاء الله أن يجمعهم على الهدى لجمعهم عليه ؛ فمفعول المشيئة محذوف لقصد البيان بعد الإبهام على الطريقة المسلوكة في فعل المشيئة إذا كان تعلّقه بمفعوله غير غريب وكان شرطا لإحدى أدوات الشرط كما هنا ، وكقوله : (إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ) [النساء: ١٣٣].
ومعنى : (لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى) لهداهم أجمعين. فوقع تفنّن في أسلوب التعبير فصار تركيبا خاصّيّا عدل به على التركيب المشهور في نحو قوله تعالى : (فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ) [الأنعام : ١٤٩] للإشارة إلى تمييز الذين آمنوا من أهل مكّة على من بقي فيها من المشركين ، أي لو شاء لجمعهم مع المؤمنين على ما هدى إليه المؤمنين من قومهم.
والمعنى : لو شاء الله أن يخلقهم بعقول قابلة للحقّ لخلقهم بها فلقبلوا الهدى ،