فيه ، وعلى الوجهين فمناسبة وقوع هذه الجملة عقب جملة : (وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ) [الأنعام : ٣٨] الآية قد تعرّضنا إليها آنفا.
والمراد بالذين كذّبوا المشركون الذين مضى الكلام على أحوالهم عموما وخصوصا.
وقوله : (صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُماتِ) تمثيل لحالهم في ضلال عقائدهم والابتعاد عن الاهتداء بحال قوم صمّ وبكم في ظلام. فالصّمم يمنعهم من تلقّي هدى من يهديهم ، والبكم يمنعهم من الاسترشاد ممّن يمرّ بهم ، والظلام يمنعهم من التبصّر في الطريق أو المنفذ المخرج لهم من مأزقهم.
وإنّما قيل في (الظُّلُماتِ) ولم يوصفوا بأنّهم عمّي كما في قوله : (عُمْياً وَبُكْماً وَصُمًّا) [الإسراء : ٩٧] ليكون لبعض أجزاء الهيئة المشبّهة بها ما يصلح لشبه بعض أجزاء الهيئة المشبّهة ، فإنّ الكفر الذي هم فيه والذي أصارهم إلى استمرار الضلال يشبه الظلمات في الحيلولة بين الداخل فيه وبين الاهتداء إلى طريق النجاة. وفي الحديث : الظلم ظلمات يوم القيامة. فهذا التمثيل جاء على أتمّ شروط التمثيل. وهو قبوله لتفكيك أجزاء الهيئتين إلى تشبيهات مفردة ، كقول بشّار :
كأنّ مثار النّقع فوق رءوسنا |
|
وأسيافنا ليل تهادى كواكبه |
وجمع الظلمات جار على الفصيح من عدم استعمال الظلمة مفردا. وقد تقدّم في صدر السورة ، وقيل : للإشارة إلى ظلمة الكفر ، وظلمة الجهل ، وظلمة العناد.
وقوله : (صُمٌّ وَبُكْمٌ) خبر ومعطوف عليه. وقوله : (فِي الظُّلُماتِ) خبر ثالث لأنّه يجوز في الأخبار المتعددة ما يجوز في النعوت المتعدّدة من العطف وتركه.
وقوله : (مَنْ يَشَأِ اللهُ يُضْلِلْهُ) استئناف بياني لأنّ حالهم العجيبة تثير سؤالا وهو أن يقول قائل ما بالهم لا يهتدون مع وضوح هذه الدلائل البيّنات ، فأجيب بأنّ الله أضلّهم فلا يهتدون ، وأنّ الله يضلّ من يشاء ويهدي من يشاء ، فدلّ قوله : (مَنْ يَشَأِ اللهُ يُضْلِلْهُ) على أنّ هؤلاء المكذّبين الضالّين هم ممّن شاء الله إضلالهم على طريقة الإيجاز بالحذف لظهور المحذوف ، وهذا مرتبط بما تقدّم من قوله تعالى : (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى) [الأنعام : ٣٥].
ومعنى إضلال الله تقديره الضلال ؛ بأن يخلق الضّالّ بعقل قابل للضلال مصرّ على ضلاله عنيد عليه فإذا أخذ في مبادئ الضلال كما يعرض لكثير من الناس فوعظه واعظ أو