يستمرّون من الآن على الشرك إلى أن يأتيهم العذاب أو تأتيهم القيامة حين يلجئون إلى الإيمان بوحدانيته ، ولات حين إيمان.
وافتتح هذا التهديد بالأمر بالقول اهتماما به وإلّا فإنّ معظم ما في القرآن مأمور الرسول صلىاللهعليهوسلم بأن يقوله لهم. وقد تتابع الأمر بالقول في الآيات بعد هذه إلى قوله : (لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ) [الأنعام : ٦٧] اثنتي عشرة مرّة. وورد نظيره في سورة يونس.
وقوله : (أَرَأَيْتَكُمْ) تركيب شهير الاستعمال ، يفتتح بمثله الكلام الذي يراد تحقيقه والاهتمام به. وهمزة الاستفهام فيه للاستفهام التقريري.
و (رأى) فيه بمعنى الظنّ. يسند إلى تاء خطاب تلازم حالة واحدة ملازمة حركة واحدة ، وهي الفتحة لا تختلف باختلاف عدد المخاطب وصنفه سواء كان مفردا أو غيره ، مذكّرا أو غيره ، ويجعل المفعول الأول في هذا التركيب غالبا ضمير خطاب عائدا إلى فاعل الرؤية القلبية ومستغنى به لبيان المراد بتاء الخطاب. والمعنى أنّ المخاطب يعلم نفسه على الحالة المذكورة بعد ضمير الخطاب ، فالمخاطب فاعل ومفعول باختلاف الاعتبار ، فإنّ من خصائص أفعال باب الظنّ أنّه يجوز أن يكون فاعلها ومفعولها واحدا (وألحق بأفعال العلم فعلان : فقد ، وعدم في الدعاء نحو فقدتني) ، وتقع بعد الضمير المنصوب جملة في موضع مفعوله الثاني ، وقد يجيء في تلك الجملة ما يعلق فعل الرؤية عن العمل.
هذا هو الوجه في تحليل هذا التركيب. وبعض النحاة يجعل تلك الجملة سادّة مسدّ المفعولين تفصّيا من جعل ضمائر الخطاب مفاعيل إذ يجعلونها مجرّد علامات خطاب لا محلّ لها من الإعراب ، وذلك حفاظا على متعارف قواعد النحو في الاستعمال الأصلي المتعارف مع أنّ لغرائب الاستعمال أحوالا خاصّة لا ينبغي غضّ النظر عنها إلّا إذا قصد بيان أصل الكلام أو عدم التشويش على المتعلّمين. ولا يخفى أنّ ما ذهبوا إليه هو أشدّ غرابة وهو الجمع بين علامتي خطاب مختلفتين في الصورة ومرجعهما متّحد. وعلى الوجه الذي اخترناه فالمفعول الثاني في هذا التركيب هو جملة : (أَغَيْرَ اللهِ تَدْعُونَ).
وإنّما تركت التاء على حالة واحدة لأنّه لمّا جعلت ذات الفاعل ذات المفعول إعرابا وراموا أن يجعلوا هذا التركيب جاريا مجرى المثل في كونه قليل الألفاظ وافر المعنى تجنّبوا ما يحدثه الجمع بين ضميري خطاب مرفوع ومنصوب من الثقل في نحو أرأيتما كما ، وأ رأيتكم وأ رأيتنّكنّ ، ونحو ذلك ، سلكوا هذه الطريقة الغريبة فاستغنوا بالاختلاف