التأمّل فلا يسعهم إلّا الاعتراف بأنّ الله إذا شاء شيئا لا يدفعه غيره إلّا بمشيئته ، لأنّهم يعترفون بأنّ الأصنام إنّما تقرّبهم إلى الله زلفى ، فإذا صدقوا وقالوا : أندعو الله ، فقد قامت الحجّة عليهم من الآن لأنّ من لا يغني في بعض الشدائد لا ينبغي الاعتماد عليه في بعض آخر.
ولذلك كان موقع (بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ) عقب هذا الاستفهام موقع النتيجة للاستدلال. فحرف (بل) لإبطال دعوة غير الله. أي فأنا أجيب عنكم بأنّكم لا تدعون إلّا الله. ووجه تولّي الجواب عنهم من السائل نفسه أنّ هذا الجواب لمّا كان لا يسع المسئول إلّا إقراره صحّ أن يتولّى السائل الجواب عنه ، كما تقدّم في قوله تعالى : (قُلْ لِمَنْ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ) في هذه السورة [١٢].
وتقديم المفعول على (تَدْعُونَ) للقصر وهو قصر إفراد للردّ على المشركين في زعمهم أنّهم يدعون الله ويدعون أصنامهم ، وهم وإن كانوا لم يزعموا ذلك في حال ما إذا أتاهم عذاب الله أو أتتهم الساعة إلّا أنّهم لمّا ادّعوه في غير تلك الحالة نزّلوا منزلة من يستصحب هذا الزعم في تلك الحالة أيضا.
وقوله : (فَيَكْشِفُ) عطف على (تَدْعُونَ) ، وهذا إطماع في رحمة الله لعلّهم يتذكّرون. ولأجل التعجيل به قدّم (وَتَنْسَوْنَ ما تُشْرِكُونَ) وكان حقّه التأخير. فهو شبيه بتعجيل المسرّة. ومفعول : (تَدْعُونَ) محذوف وهو ضمير اسم الجلالة ، أي ما تدعونه. والضمير المجرور ب (إلى) عائد على (ما) من قوله (ما تَدْعُونَ) أي يكشف الذي تدعونه إلى كشفه. وإنّما قيّد كشف الضرّ عنهم بالمشيئة لأنّه إطماع لا وعد.
وعديّ فعل (تَدْعُونَ) بحرف (إلى) لأنّ أصل الدعاء نداء فكأنّ المدعو مطلوب بالحضور إلى مكان اليأس.
ومفعول (شاءَ) محذوف على طريقة حذف مفعول فعل المشيئة الواقع شرطا ، كما تقدّم آنفا.
وفي قوله : (إِنْ شاءَ) إشارة إلى مقابله ، وهو إن لم يشأ لم يكشف ، وذلك في عذاب الدنيا. وأما إتيان الساعة فلا يكشف إلّا أن يراد بإتيانها ما يحصل معها من القوارع والمصائب من خسف وشبهه فيجوز كشفه عن بعض الناس. وممّا كشفه الله عنهم من عذاب الدنيا عذاب الجوع الذي في قوله تعالى : (فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ