(عالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ) [الزمر ٣٩ / ٤٦] ، فالشاهد : الخلائق الحاضرون للحساب ، والمشهود عليه : اليوم ، كما قال تعالى : (ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ) [هود ١١ / ١٠٣] فالله يقسم بالخلائق والعوالم الشاهد منها والمشهود ، لما في التأمل بها من تقدير عظمة تدل على الموجد.
والخلاصة : أن الشاهد والمشهود إما من الشهود : الحضور ، وإما من الشهادة ، والصلة محذوفة ، أي مشهود عليه أو به.
(قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ. النَّارِ ذاتِ الْوَقُودِ) هذا جواب القسم ، وهو إخبار أو دعاء على هؤلاء الكفار بالإبعاد من رحمة الله تعالى ، أي لعن أصحاب الأخدود المشتمل على النار ذات الحطب الذي توقد به. وهم قوم من الكفار في نجران اليمن طلبوا من المؤمنين بالله عزوجل أن يرجعوا عن دينهم ، فأبوا عليهم ، فحفروا لهم في الأرض أخدودا (شقا مستطيلا) وأجّجوا فيه نارا ، وأعدّوا لها وقودا يسعرونها به ، ثم أرادوهم أن يرجعوا عن دينهم ، فلم يقبلوا منهم ، فقذفوهم فيها. وقد أشار سبحانه إلى عظم النار إشارة مجملة بقوله : (ذاتِ الْوَقُودِ) أي لها ما يرتفع به لهبها من الحطب الكثير وأبدان الناس.
(إِذْ هُمْ عَلَيْها قُعُودٌ ، وَهُمْ عَلى ما يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ) أي لعنوا حين أحدقوا بالنار ، قاعدين على الكراسي عند الأخدود ، وهؤلاء الذين حفروا الأخدود ، وهم الملك وأصحابه ، مشاهدون لما يفعل بأولئك المؤمنين ، من عرضهم على النار ليرجعوا إلى دينهم ، ويشهدون بما فعلوا يوم القيامة ، حيث تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم.
وهذا أي حضورهم الإحراق دليل على أنهم قوم غلاظ الأكباد قساة القلوب ، تمكّن الكفر والباطل منهم ، وتجرّدوا عن الإنسانية ، وفقدوا الرحمة ، ودليل أيضا