وعدنا به ؛ لأنه يوم الفصل والجزاء ، وتفرد الله بالحكم والقضاء ، وبالشاهد والمشهود ، أي الخلائق والعوالم الشاهد منها والمشهود ؛ لما في التأمل بها من إدراك عظمة خالقها ، أقسم بها على أن أصحاب الأخدود ملعونون مطرودون من رحمة الله.
قال الزمخشري : أنه قيل : أقسم بهذه الأشياء ، إنهم ملعونون يعني كفار قريش ، كما لعن أصحاب الأخدود ، وذلك أن السورة وردت في تثبيت المؤمنين وتصبيرهم على أذى أهل مكة ، وتذكيرهم بما جرى على من تقدمهم من التعذيب على الإيمان ، وإلحاق أنواع الأذى وصبرهم وثباتهم حتى يأنسوا بهم ، ويصبروا على ما كانوا يلقون من قومهم ، ويعلموا أن كفارهم أحقاء بأن يقال فيهم : قتلت قريش ، أي لعنوا ، كما قتل أصحاب الأخدود (١).
٢ ـ أسباب اللعنة على أصحاب الأخدود : أنهم حفروا أخدودا أي شقا مستطيلا في الأرض وأوقدوا فيه نارا عظيمة ، ثم ألقوا فيه جماعة المؤمنين ، بنجران اليمن في الفترة بين محمد وعيسى عليهما الصلاة والسلام ، وهم يتلذذون ويستمتعون بما تفعل النيران الملتهبة بأجساد هؤلاء المعذّبين ، ويحضرون ذلك المنظر الرهيب إلى تمام الإحراق والالتهاب ، فهم قوم قساة ، مجدّون في التعذيب.
٣ ـ القصة درس وعظة وتذكير للمؤمنين بالصبر على ما يلاقونه من الأذى والآلام ، والمشقات التي يتعرضون لها في كل زمان ومكان ليتأسوا بصبر المؤمنين وتصلبهم في الحق وتمسكهم به ، وبذلهم أنفسهم من أجل إظهار دعوة الله.
وليس هذا بمنسوخ ، فإن الصبر على الأذى لمن قويت نفسه ، وصلب دينه أولى (٢). قال الله تعالى مخبرا عن لقمان : (يا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ ، وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ ،
__________________
(١) الكشاف : ٣ / ٣٢٦
(٢) تفسير القرطبي : ١٩ / ٢٩٣