وبما أن التسبيح الذي أمر به النبي صلىاللهعليهوسلم والذي يليق به هو الذي يرتضيه لنفسه ، حرص النبي صلىاللهعليهوسلم على معرفته وحفظه بقراءة ما أنزله الله تعالى عليه من القرآن ، فوعده ربه وبشره بأنه سيقرئه من القرآن ما فيه تنزيهه وأنه لا ينسى ، فقال :
(سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى ، إِلَّا ما شاءَ اللهُ) أي سنجعلك يا محمد قارئا ، بأن نلهمك القراءة ، فلا تنسى ما تقرؤه ، وقد كان النبي صلىاللهعليهوسلم إذا نزل عليه جبريل بالقرآن ، لم يفرغ جبريل من آخر الآية حتى يتكلم النبي صلىاللهعليهوسلم بأولها ، مخافة أن ينساها ، فنزلت هذه الآية ، فألهمه الله وعصمه من نسيان القرآن.
ونظير الآية قوله : (وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ) [طه ٢٠ / ١١٤] وقوله : (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ ، إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ) [القيامة ٧٥ / ١٦ ـ ١٧].
ثم قال : (إِلَّا ما شاءَ اللهُ) أي إنك ستحفظ القرآن المنزل إليك ، ولا تنساه ، إلا ما شاء الله أن تنساه ، فإن أراد أن ينسيك شيئا ، فعل. وقيل : المراد بالاستثناء ما يقع من النسخ ، أي لا تنسى ما نقرئك إلا ما يشاء الله رفعه أو نسخه ، مما نسخ تلاوته ، فلا عليك أن تتركه.
والمعنى الأول أصح ؛ قال قتادة : كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم لا ينسى شيئا إلا ما شاء الله. قال أبو حيان : الظاهر أنه استثناء مقصود ، وكذلك قال الألوسي : والظاهر أن النسيان على حقيقته.
ثم أكد الله تعالى الوعد بالإقراء وعدم النسيان إلا ما شاء الله أن ينسيه لمصلحة ، فقال:
(إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَما يَخْفى) أي يعلم ما يجهر به العباد وما يخفونه من أقوالهم وأفعالهم ، لا يخفى عليه من ذلك شيء. ومن الجهر : كل ما يفعله الإنسان