ونحن نحاسبهم على أعمالهم بعد رجوعهم إلى الله بالبعث ، إن خيرا فخير ، وإن شرا فشرّ ، فلا مفر للمعرضين ، ولا خلاص للمكذبين من العقاب.
وفائدة تقديم الظرف أو الجار والمجرور في الموضعين الحصر والتشديد بالوعيد ، أي ليس مرجعهم إلا إلى الجبار المقتدر على الانتقام وإيفاء جزاء كل طائفة ، وأن حسابهم ليس بواجب إلا عليه بمقتضى الحكمة البالغة ، وهو الذي يحاسب على الصغير والكبير (١).
فقه الحياة أو الأحكام :
دلت الآيات على ما يأتي :
١ ـ ذكّر الله تعالى الناس بصنعته وقدرته ، وأنه قادر على كل شيء ، بعد أن ذكر أمر أهل الدارين ، فتعجب الكفار من ذلك ، فكذبوا وأنكروا. وقد ذكّرهم بخلق الإبل ؛ لأنها كثيرة في العرب ، وبخلق السماء ورفعها عن الأرض بلا عمد ، وبخلق الجبال الراسيات المنصوبة على الأرض ، بحيث لا تزول ، وبخلق الأرض كيف بسطت ومدت ومهدت لأهلها كي يستطيعوا العيش عليها بقرار وأمان.
٢ ـ أمر الله تعالى نبيه صلىاللهعليهوسلم بتذكير قومه وعظتهم وتخويفهم ، وطمأنه بأنه مجرد واعظ ، ليس بمسلّط عليهم ، فيقتلهم ، أو يجبرهم على الإيمان برسالته.
٣ ـ حذر الله تعالى من مخالفة دعوة النبي صلىاللهعليهوسلم ورسالته ، فأنذر كل من تولى عن الوعظ والتذكير بالعذاب الأكبر في الآخرة ، وهو عذاب جهنم الدائم ، ووصف العذاب بالأكبر ؛ لأنهم عذبوا في الدنيا بالجوع والقحط والأسر والقتل.
وهذا على أن الاستثناء منقطع ، وقيل : هو استثناء متصل ، والمعنى : لست
__________________
(١) تفسير الكشاف : ٣ / ٣٣٤ ، تفسير الرازي : ٣١ / ١٦٠