بالأفعال الخيرية السابقة بعد أن آمن بالله ورسوله وكتبه واليوم الآخر ، فإن هذه القربات إنما تنفع بشرط الإيمان ، فكان من جملة المؤمنين العاملين صالحا : المتواصين بالصبر على أذى ، وعلى الرحمة بهم ، كما قال النبي صلىاللهعليهوسلم في الحديث الثابت : «الراحمون يرحمهم الرحمن ، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء» (١) وفي الحديث الآخر : «من لا يرحم الناس لا يرحمهالله» (٢).
والصبر يكون أيضا على طاعة الله ، وعن المعاصي ، وعلى المصائب والبلايا. والرحمة على عباد الله ترقق القلب ، ومن كان رقيق القلب ، عطف على اليتيم والمسكين ، واستكثر من فعل الخير بالصدقة.
ثم ذكر الله تعالى جزاء هؤلاء مبشرا بهم ، فقال :
(أُولئِكَ أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ) أي أولئك المتصفون بهذه الصفات هم من أصحاب اليمين ، وهم أصحاب الجنة ، كما قال تعالى : (وَأَصْحابُ الْيَمِينِ ، ما أَصْحابُ الْيَمِينِ؟ فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ ، وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ ، وَظِلٍّ مَمْدُودٍ ، وَماءٍ مَسْكُوبٍ ، وَفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ ، لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ ، وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ) [الواقعة ٥٦ / ٢٧ ـ ٣٤].
ثم ذكر أضداد هؤلاء للمقارنة والعبرة ، فقال :
(وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا هُمْ أَصْحابُ الْمَشْأَمَةِ ، عَلَيْهِمْ نارٌ مُؤْصَدَةٌ) أي والذين جحدوا بآياتنا التنزيلية والآيات الكونية الدالة على قدرتنا ، هم أصحاب الشمال ، وعليهم نار مطبقة مغلقة ، وأصحاب الشمال هم أهل النار المشؤومة كما قال تعالى : (وَأَصْحابُ الشِّمالِ ما أَصْحابُ الشِّمالِ ، فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ ، وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ ، لا بارِدٍ وَلا كَرِيمٍ ..) [الواقعة ٥٦ / ٤١ ـ ٤٤].
__________________
(١) رواه أحمد وأبو داود والترمذي والحاكم عن ابن عمر رضياللهعنهما.
(٢) أخرجه الشيخان والترمذي عن جرير بن عبد الله رضياللهعنه.