إليه ، ويقرّبه منه ، ويدنيه من كرامته ، ويباعده عن عقابه ، بالإيمان الحق والعمل الصالح.
ثم عاد الله تعالى إلى تهديد الكفار وتحذيرهم وتخويفهم من ذلك اليوم ، فقال :
(إِنَّا أَنْذَرْناكُمْ عَذاباً قَرِيباً ، يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ ما قَدَّمَتْ يَداهُ ، وَيَقُولُ الْكافِرُ : يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً) أي إننا يا أهل مكة وأمثالكم من الكفار حذّرناكم وخوّفناكم عذابا قريب الوقوع وهو يوم القيامة ؛ فإنه لتأكد وقوعه صار قريبا ، ولأن كل ما هو آت قريب ، كما قال تعالى : (كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَها لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحاها) [النازعات ٧٩ / ٤٦]. وفي هذا اليوم القريب ينظر كل امرئ ما قدّم من خير أو شرّ في حياته الأولى في الدنيا ، كما جاء في قوله تعالى : (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً ، وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ ، تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً) [آل عمران ٣ / ٣٠].
ويقول الكافر من شدة ما يعانيه من أنواع الأهوال والعذاب ، مثل أبيّ بن خلف وعقبة بن أبي معيط وأبي جهل وأبي سلمة بن عبد الأسد المخزومي : ليتني كنت ترابا ، فهو يتمنى إن لم يكن إنسانا يبعث ، وإنما كان ترابا ، ويتمنى أن يصير ترابا كالحيوانات بعد الاقتصاص من بعضها لبعض ، وقد ورد معنى هذا في حديث الصور المشهور ، وورد فيه آثار عن أبي هريرة وعبد الله بن عمرو وغيرهما ، كما ذكر ابن كثير ، ومضمون تلك الأخبار : أن البهائم تحشر ، فيقتصّ للجمّاء من القرناء ، ثم تردّ ترابا ، فيودّ الكافر حالها ليتخلص من العذاب.
والآيتان الأخيرتان تدلان على أن الناس يكونون يوم القيامة فريقين : فريق المؤمنين المقربين من ثواب الله وكرامته ورضاه ، وفريق الكافرين الجاحدين البعيدين من رحمة الله ، الواقعين في صنوف العذاب.