(يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَقالَ صَواباً) أي إن عظمة الله تتجلى في يوم القيامة وتظهر عيانا للخلائق ، حتى إن جبريل عليهالسلام وجميع الملائكة المصطفين ، مع رفعة أقدارهم ودرجاتهم ؛ لأنهم أعظم المخلوقات قدرا ورتبة لا يتكلمون في يوم القيامة الرهيب إلا بشرطين :
أحدهما ـ الإذن من الله بالشفاعة ، كقوله تعالى : (مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ) [البقرة ٢ / ٢٥٥] وقوله سبحانه : (يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ) [هود ١١ / ١٠٥] وقوله عزوجل : (يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً) [طه ٢٠ / ١٠٩].
والثاني ـ أن يقول صوابا : أي أن يقول حقا وصدقا إذا كان الإذن للشافع ، وأن يكون ذلك الشخص المشفوع له ممن قال في الدنيا صوابا ، أي شهد بالتوحيد بأن قال : لا إله إلا الله ، إذا كان الإذن للمشفوع.
والروح : هو جبريل عليهالسلام في رأي الأكثرين ؛ لقوله عزوجل : (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ ، عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ) [الشعراء ٢٦ / ١٩٣ ـ ١٩٤]. وقال ابن عباس : هو ملك عظيم من أعظم الملائكة خلقا. وقال ابن مسعود : إنه ملك أعظم من السموات والأرض.
وفي الآية دلالة على أن الملائكة وجبريل عليهمالسلام أعظم المخلوقات قدرا ومكانة ، وعلى عظمة يوم القيامة ورهبته.
ثم أخبر الله تعالى بأن يوم القيامة حق لا ريب فيه ، فقال :
(ذلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ ، فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ مَآباً) أي إن ذلك اليوم الذي تقوم فيه الملائكة على تلك الصفة هو اليوم الثابت ، الكائن الواقع المتحقق الذي لا ريب فيه ، فمن أراد النجاة فيه ، اتخذ إلى ثواب ربّه مرجعا وطريقا يهتدي