صلاة العصر يوم الخندق قال : «ملأ الله بطونهم وقبورهم نارا» فقال الله تعالى : كما قدّمت حقي على حقك ، فأنا أيضا أقدم حقك على حقي ، فمن ترك الصلاة طول عمره لم يكفر ، ومن طعن فيك بوجه يكفر ، ثم إن أهل الكتاب طعنوا فيك ، فقدّمتهم في الوعيد على المشركين الذين طعنوا فيّ. ثم إن أهل الكتاب أولى بالإيمان بالرسول محمد صلىاللهعليهوسلم ، فهم في الجملة يؤمنون بدين ، ويقرون بنبي آخر الزمان ، وعلاماته في كتبهم ، فطعنهم به في غير محله ، فاستحقوا التقديم في الوعيد لذلك (١).
التفسير والبيان :
يخبر الله تعالى عن مآل الفجار الكفار فيقول :
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نارِ جَهَنَّمَ ، خالِدِينَ فِيها ، أُولئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ) أي إن الذين خالفوا كتب الله المنزلة ، وأنبياء الله المرسلة ، من اليهود والنصارى وعبدة الأصنام ، مآلهم يوم القيامة في نار جهنم المستعرة ، يصيرون إليها ، ماكثين فيها على الدوام ، لا يخرجون منها ولا يموتون فيها ، وهم حالا شر الخليقة التي برأها الله وذرأها ؛ لأنهم تركوا الحق حسدا وبغيا ، فسيكونون شر الخليقة مصيرا. والسبب في أنه لم يقل هنا خالدين فيها أبدا ، كما فعل في الأبرار ؛ لأن رحمته أزيد من غضبه. وقوله : (هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ) لإفادة النفي والإثبات ، أي هم دون غيرهم.
ثم أخبر الله تعالى عن حال الأبرار ، فقال :
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ، أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ) أي إن الذين آمنوا بقلوبهم بربهم وكتبه ورسله واليوم الآخر ، وعملوا الصالحات بأبدانهم ، هم أفضل الخلق حالا ومآلا.
__________________
(١) غرائب القرآن : ٣٠ / ١٥٣ ، تفسير الرازي : ٣٢ / ٤٩