وإنما أقسم الله تعالى بالخيل ؛ لأن لها في الركض (العدو) من الخصال الحميدة ما ليس لسائر الدواب ، ولأن الخيل في نواصيها الخير (١) إلى يوم القيامة ، ولأنها وسيلة الغزو عند العرب ، ولا تكاد تخلو في الأغلب من الخطور ببالهم. والمراد إعلاء شأنها في نفوس المؤمنين ، ليعنوا بتربيتها ، وليتدربوا عليها من أجل الجهاد في سبيل الله ، وليعتادوا على معالي الأمور ، وظواهر الجد والعمل.
وفي هذا القسم ترغيب باقتناء الخيل لهذه الأغراض النبيلة ، لا للسمعة والمفاخرة والرياء.
وعلى هذا فاللام في العاديات للعهد ، ويحتمل وهو الظاهر كما تقدم عن أبي حيان أن تكون للجنس وليست أل فيه للعهد ، ويدخل فيها خيل الجهاد والسرية دخولا أولياء.
وجواب القسم المحلوف عليه هو :
(إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ) أي إن الإنسان كفور بطبعه للنعمة ، كثير الجحد لها ، وعدم الإقرار بمقتضاها الموجب لشكر الخالق المنعم ، والخضوع لشرعه وأحكامه ، إلا من جاهد نفسه ، وعقل أمر الدنيا والآخرة ، فأقبل على الطاعة والفضيلة ، وأحجم عن المعصية والرذيلة.
والظاهر أن المراد بالإنسان هو الجنس ، والأكثرون على أن الإنسان هو الكافر ؛ لقوله بعد ذلك : (أَفَلا يَعْلَمُ). لكنهم قالوا أيضا : ويحتمل أن يراد أن جنس الإنس مفطور على ذلك إلا من عصمه الله بلطفه وتوفيقه ، وقوله : (أَفَلا يَعْلَمُ) يجوز أن يكون توبيخا على أنه لا يعمل بعلمه.
(وَإِنَّهُ عَلى ذلِكَ لَشَهِيدٌ) أي وإن الإنسان على كونه كنودا جحودا لشهيد
__________________
(١) قال النبي صلىاللهعليهوسلم : «الخيل معقود بنواصيها الخير إلى يوم القيامة» رواه أحمد والشيخان والنسائي وابن ماجه عن أبي هريرة.