المستعيذ من شرور الشيطان وأضراره في الدين والدنيا والآخرة. ومعنى الربوبية يدل على مزيد العناية وحرص المربي.
وإنما ذكر أنه (بِرَبِّ النَّاسِ) وإن كان ربّا لجميع الخلق ، لأمرين :
أحدهما ـ لأن الناس معظّمون ، فأعلم بذكرهم أنه ربّ لهم ، وإن عظموا.
الثاني ـ لأنه أمر بالاستعاذة من شرّ الناس ؛ فأعلم بذكرهم أنه هو الذي يعيذ منهم (١). ثم ذكر صفتي الملك والألوهية ليبين للناس أنه ملكهم الحقيقي ، وإن كان لهم ملوك ، وأنه إلههم ومعبودهم ، لا معبود لهم سواه ، وأنه الذي يجب أن يستعاذ به ، ويلجأ إليه ، دون الملوك والعظماء.
أوضحت السورة أن الموسوس إما شيطان الجن ، وإما شيطان الإنس. قال الحسن : هما شيطانان ؛ أما شيطان الجن فيوسوس في صدور الناس ، وأما شيطان الإنس فيأتي علانية. وقال قتادة : إن من الجنّ شياطين ، وإن من الإنس شياطين ، فتعوّذ بالله من شياطين الإنس والجن.
ويلاحظ أن المستعاذ به في سورة (الفلق) مذكور بصفة واحدة وهي أنه «ربّ الفلق» ، والمستعاذ منه ثلاثة أنواع من الآفات ، وهي «الغاسق» و (النَّفَّاثاتِ) و «الحاسد». وأما في هذه السورة فالمستعاذ به مذكور بصفات ثلاث : وهي الرّب والملك والإله ، والمستعاذ منه آفة واحدة ، وهي الوسوسة ، وسبب التفرقة : أن المطلوب في السورة الأولى سلامة النفس والبدن ، والمطلوب في هذه السورة سلامة الدين ، ومضرة الدين ، وإن قلّب ، أعظم من مضارّ الدنيا وإن عظمت (٢).
__________________
(١) تفسير القرطبي : ٢٠ / ٢٦٠
(٢) تفسير الرازي : ٣٢ / ١٩٩