والشرع. والأصوب أن يقال : أراد أن يذكر بعض من هو مطيف بالمرء في الدنيا من أقاربه في طرفي الصعود والنزول فبدأ بطرف الصعود ؛ لأن تقديم الأصل أولى من تقديم الفرع ، وذكر أولا في كل من الطرفين من هو معه في درجة واحدة وهو الأخ في الأول والصاحبة في الثاني. على أن وجود البنين موقوف على وجود الصاحبة ، فكانت بالتقديم أولى (١).
والأظهر أن الفرار المعنى : هو قلة الاهتمام بشأن هؤلاء ، بدليل قوله : (لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ) أي يصرفه ويصدّه عن قرابته (٢).
روى ابن أبي حاتم والنسائي والترمذي عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «تحشرون حفاة عراة مشاة غرلا ، أي غير مختونين ، قال : فقالت زوجته : يا رسول الله ، ننظر أو يرى بعضنا عورة بعض؟ قال : (لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ)» أو قال : «ما أشغله عن النظر!!».
ثم ذكر الله تعالى أحوال الناس حينئذ وانقسامهم في ذلك اليوم إلى سعداء وأشقياء ، فقال واصفا السعداء أولا :
(وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ ، ضاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ) أي يكون الناس هنالك فريقين : وجوه متهللة مشرقة مضيئة ، وهي وجوه المؤمنين أهل الجنة ؛ لأنهم قد علموا إذ ذاك ما لهم من النعيم والكرامة.
ثم وصف الأشقياء بقوله :
(وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْها غَبَرَةٌ ، تَرْهَقُها قَتَرَةٌ ، أُولئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ) أي ووجوه أخرى في القيامة عليها غبار وكدورة ، لما تراه مما أعدّه الله لها من
__________________
(١) تفسير الكشاف : ٣ / ٣١٤ ، تفسير الرازي : ٣١ / ٦٤ ، غرائب القرآن : ٣٠ / ٣١
(٢) غرائب القرآن ، المكان السابق.