التفسير والبيان :
(فَإِذا جاءَتِ الصَّاخَّةُ) أي إذا جاءت القيامة أو صيحة يوم القيامة التي تصخ الأذن ، أي تصمها فلا تسمع. والصاخّة : اسم من أسماء القيامة ، عظّمه الله وحذّر عباده. قال البغوي : الصاخة : يعني صيحة يوم القيامة ، سميت بذلك ؛ لأنها تصخّ الأسماع وتصمّ الآذان لشدتها ، أي تبالغ في إسماعها حتى تكاد تصمّها. وقال ابن جرير : لعله اسم للنفخة في الصور.
(يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ ، وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ ، وَصاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ ، لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ) أي إذا جاءت الصاخة حين يرى المرء أعز أقاربه وأخصهم لديه ، وأولاهم بالحنو والرأفة والعطف ، من أخ وأم وأب وزوجة وولد ، ويفر منهم ويبتعد عنهم ؛ لأن الهول عظيم والخطب جليل ، ولكل امرئ منهم يومئذ حال أو شغل يشغله عن الأقرباء ويصرفه منهم ، ويفرّ عنهم ، حذرا من مطالبتهم إياه بشيء يهمهم ، ولئلا يروا ما هو فيه من الشدة ، وهو كقوله تعالى : (يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئاً ، وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ) [الدخان ٤٤ / ٤١] وقوله سبحانه : (وَلا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً) [المعارج ٧٠ / ١٠].
والمراد : أن الذين كان المرء في دار الدنيا يفر إليهم ويستجير بهم ، فإنه يفر منهم في دار الآخرة. وفائدة الترتيب واضحة ، وهي الفرار من الأبعد وهو الأخ ، ثم من الأبوين ، ثم من الزوجة والولد ، من قبيل الترقي إلى الأحب عادة والأقرب ، قال الزمخشري : بدأ بالأخ ، ثم بالأبوين ؛ لأنهما أقرب منه ، ثم الصاحبة والبنين ؛ لأنهم أقرب وأحب ، كأنه قال : يفر من أخيه ، بل من أبويه ، بل من صاحبته وبنيه. وأيده الرازي في هذا.
وعقب النظام النيسابوري في غرائب القرآن على ذلك فقال : هذا القول يستلزم أن تكون الصاحبة أقرب وأحب من الأبوين ، ولعله خلاف العقل