تخنس أي تختفي بالنهار تحت ضوء الشمس ، والتي تجري في أفلاكها ، وتكنس بالليل ، أي تظهر بالليل في أماكنها ، كما تظهر الظباء من كنسها ، أي بيوتها ، وهي جمع كناس : وهو الذي يختفي فيه الوحش. وقوله : (فَلا أُقْسِمُ) يراد بها القسم في أسلوب العرب ، ويراد بها تأكيد الخبر ، كأنه في ثبوته وظهوره لا يحتاج إلى قسم. وإنما أقسم سبحانه بهذه الكواكب ، لما في تبدل أحوالها من الظهور والخفاء من الدلالة على قدرة مبدعها ومصرّفها.
ويرى الجمهور : أن المراد بها الكواكب السيارة كلها ، ويرى بعضهم أنها ما عدا الشمس والقمر.
(وَاللَّيْلِ إِذا عَسْعَسَ ، وَالصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ) أي والليل إذا أقبل بظلامه ، لما فيه من الرهبة ، وهذا هو الأولى ، أو أدبر وولى ، لما في إدباره من كشف الغمة. والصبح إذا اقبل وأضاء بنوره الأفق ؛ لأنه يقبل بروح نشطة ونسيم عليل.
قال ابن كثير : (عَسْعَسَ) : أقبل ، وإن كان يصح استعماله في الإدبار أيضا ، لكن الإقبال هاهنا أنسب ، كأنه أقسم بالليل وظلامه إذا أقبل ، وبالفجر وضيائه إذا أشرق ، كما قال تعالى : (وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى ، وَالنَّهارِ إِذا تَجَلَّى) [الليل ٩٢ / ١ ـ ٢] وقال تعالى : (وَالضُّحى وَاللَّيْلِ إِذا سَجى) [الضحى ٩٣ / ١ ـ ٢] وقال تعالى : (فالِقُ الْإِصْباحِ ، وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً) [الأنعام ٦ / ٩٦] ، وغير ذلك من الآيات.
وقال كثير من علماء الأصول : إن لفظة (عَسْعَسَ) تستعمل في الإقبال والإدبار على وجه الاشتراك ، فعلى هذا يصح أن يراد كل منهما ، والله أعلم (١).
__________________
(١) تفسير ابن كثير : ٤ / ٤٧٩