تجلب الريح منه أزكى من المسك م |
|
إذا مرّت الصبا من مكانه (١) |
وينسب إلى الأحصّ شاعر حلبي يعرف بالناشي الأحصي كان في أيام سيف الدولة ابن حمدان فمدحه بقصيدة فاعتذر إليه سيف الدولة بضيق اليد يومئذ وقال له اعذر ومتى بلغك أنه حمل إلينا مال فأتنا نضاعف لك الجائزة فخرج من عنده فوجد على باب سيف الدولة كلابا تذبح لها السخال (٢) وتطعم لحومها فعاد إلى سيف الدولة وأنشده :
رأيت بباب داركم كلابا |
|
تغذّيها وتطعمها السخالا |
وما في الأرض أدبر من أديب |
|
يكون الكلب أحسن منه حالا |
ثم اتفق أن حمل إلى سيف الدولة أموال من بعض الجهات على بغال ضاع منها بغل بما عليه وهو عشرة آلاف دينار وجاء هذا البغل ووقف على باب الناشي بالأحصّ فسمع حسّه فظنه لصا فخرج إليه بالسلاح فوجده بغلا موقرا بالمال فأخذ ما عليه وأطلقه ثم دخل على سيف الدولة وأنشده :
ومن ظنّ أن الرزق يأتي بحيلة |
|
فقد كذّبته نفسه وهو آثم |
يفوت الغنى من لا ينام عن السّرى |
|
وآخر يأتي رزقه وهو نائم |
فقال له سيف الدولة : بحياتي وصل إليك المال الذي كان على البغل فقال نعم فقال خذه بجائزتك مباركا لك فيه فقيل لسيف الدولة كيف عرفت ذلك فقال عرفته من قوله «وآخر يأتي رزقه وهو نائم» بعد قوله «يكون الكلب أحسن منه حالا».
ومن البلاد التي لها ذكر في التاريخ (عين زربة) هي الآن قرية صغيرة وكانت مدينة عظيمة على سفح جبل مشرف عليها وفي سنة (١٠٨) أمر الرشيد ببنائها وتحصينها لأنها كانت قلّت سكانها ووهن عمرانها وبعد أن عمرت بأمر الرشيد ندب إليها جماعة من أهل خراسان وأقطعهم بها المنازل ثم نقل إليها المعتصم جماعة من الظّط (٣) الذين كانوا تغلبوا على البطائح وهي أرض واسعة بين واسط والبصرة والزط (٣) قوم من الهند. وفي سنة
__________________
(١) معجم البلدان «الأحصّ» وروايته : «بمكانه».
(٢) السخال : أولاد المعز أو الضأن.
(٣) يترخص المؤلف ـ كما ترى ـ في كتابته ، فمرّة يكتب «الظطّ» بالظاء ، وأخرى بالزاي «الزط». والثانية هي الصواب.