وفقراء أهل الذمة. وأجاز أبو حنيفة وحده صرف صدقة الفطر إلى أهل الذمة أيضا وقد فرض سيدنا عمر رضي الله عنه لذمي عطاء في بيت المال فإنه رأى ذميا يسأل الناس الصدقة وهو شيخ فإن فقال عمر حين رآه : لقد ظلمناه ، أخذنا منه الجزية وهو شاب وتركناه يسأل الناس وهو شيخ. وأمر أن يفرض له كفافه من بيت المال ما دام حيا.
قلت ولما كانت الخيرات المشروطة للفقراء في أوقاف المسلمين معدودة كلها من صدقة التطوع فقد أطلق كثير من الواقفين لفظة الفقراء ولم يقيدوها بمسلمين ولا غيرهم لتصرف تلك الخيرات إلى فقراء الملل الثلاث. حتى إني اطلعت على كتاب وقف اشترط فيه صاحبه منزلا للمسافرين وأنواعا من الأطعمة تقدم لهم في الصباح وفي المساء واشترط صراحة أن يرخص فيه بالنزول لمسافري الملل الثلاث الإسلام والنصارى واليهود أغنياء كانوا أم فقراء وأن يقدم لكل مسافر منهم طعام يناسب مقامه ويلائم منزلته فيقدم للأمير مثلا طعام الأمراء وللتاجر طعام التجار.
عيادة الذمي وتعزيته وضيافته
قال الزيلعي إن العيادة نوع من البر وفي القرآن : (لا يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ) إلى آخر الآية. وأما التعزية فقد قال الحموي نقلا عن النوادر : له جار يهودي أو نصراني مات ابنه يقول له أخلف الله عليك خيرا منه. وأما ضيافته فإنها جائزة لا كراهة فيها. ونقل الحموي عن فتاوي شيخ الإسلام أبي الحسن السعدي أن واحدا من المجوس كان كثير المال حسن التعهد للفقراء المسلمين يطعم جائعهم ويكسو عاريهم وينفق على مساجدهم ويعطي دهان سرجها ويقرض محاويج المسلمين فدعا الناس مرة إلى دعوة اتخذها لجز ناصية ولده فشهدها كثير من أهل الإسلام وأهدى إليه بعضهم هدايا فاشتد ذلك على مفتيهم فكتب إلى أستاذه شيخ الإسلام أن أدرك أهل بلدك فقد ارتدوا بأسرهم. فذكر شيخ الإسلام إن إجابة دعوة أهل الذمة مطلقة في الشريعة ومجازاة المحسن بإحسانه من باب الكرم والمروءة وحلق الرأس ليس من شعار أهل الذمة والحكم بردّة أهل الإسلام بهذا القدر غير ممكن. كذا في الظهيرية من النوع السادس من الفصل السابع من كتاب السير.