مقدمة
حلب ، ونهر الذهب
«حلب مدينة عظيمة واسعة ، كثيرة الخيرات ، طيبة الهواء ، صحيحة الأديم والماء ... وشاهدت من حلب وأعمالها ما استدللت به على أن الله تعالى خصّها بالبركة ، وفضّلها على جميع البلاد .. وأما قلعتها فبها يضرب المثل في الحسن والحصانة .. وما زال فيها على قديم الزمان وحديثه أدباء وشعراء .. وقد أكثر الشعراء من ذكرها ووصفها والحنين إليها».
ذلك مجمل ما قاله ياقوت الحموي عن حلب في كتابه «معجم البلدان» ، وقد زارها وأقام فيها غير مرّة. وليس هو الوحيد الذي أشاد بهذه المدينة ونوّه بفضلها ، فهناك أقوال كثيرة مماثلة للرحالة والجغرافيين العرب والغربيّين الذين زاروها ، أو أقاموا فيها ، وقد أجمعوا كافة على أن حلب من أقدم المدن العامرة في العالم ، ولا تزال حتى اليوم زاخرة بالحياة ، مزدهرة بالحضارة والعمران ، بعد أن مرّت بأحقاب متلاحقة منذ القرن العشرين قبل الميلاد ، وعرفت أمما شتّى تعاقبت عليها ، كما عرفت الأمجاد التليدة ، من جهة ، والكوارث والزلازل من جهة أخرى ، وهي بعد ملتقى الطرق التجارية الكبرى لقوافل الشرق والغرب ، ثم إنها مدينة الآثار والأسوار ، والأبراج والأبواب ، وقد بقيت محافظة على تراثها الثمين ، وكنوزها الأوابد ، وجلال أبنيتها القديمة ، وهذا ما جعل المؤرخين يهتمون بها ، حتى إن ما ألّف فيها وحدها من كتب تاريخية يسترعي الانتباه بكثرته وتنوعه ، منذ أن كتب حمدان الأثاربي (ـ ٥٢٠ ه) كتابه «القوت» في تاريخ حلب ، حتى ألّف الغزي (ـ ١٣٥١ ه ـ ١٩٣٣ م) كتابه «نهر الذهب» ، وبينهما كتب كثيرة منها المطبوع ، ومنها المفقود ، ومنها الذي لا يزال مخطوطا.
ونكتفي ـ فيما يلي ـ بذكر ما طبع حتى اليوم من تلك الكتب عن حلب : ١ ـ تاريخ حلب : لمحمد بن علي العظيمي (ـ ٥٥٦ ه). طبع في دمشق ١٩٨٤ م بتحقيق إبراهيم زعرور.