كتاب يلوح عليه القدم فاستوقفتها وقلت لها ما هذا الكتاب؟ أجابتني بقولها : (قصة حلب) فتناولته من يدها وسرعان ما فتحته وقرأت من خطبته سطورا فإذا هو ضالتي المنشودة (هو كتاب كنوز الذهب) بخط مؤلفه فقلت لها بكم تبيعينه قالت : دفع إليّ به بائع الكتب خمسة قروش وأنا لا أبيعه إلا بعشرة قروش فنقدتها عشرة القروش وأخذت منها الكتاب ولو أنها طلبت مني ثمنه ألف قرش لما استكثرتها.
أما المكتبات المفقودة في حلب ، وكانت على جانب عظيم من الغنى ، فهي مكتبة بني الشحنة ومكتبة بني العديم ومكتبة بني الخشاب وغيرهم من الأسر العلمية التي كانت تعد من أجل بيوتات العلم في حلب. ومن تلك المكتبات مكتبة الجامع الكبير ومكتبات المدارس الكبرى كالمدرسة السلطانية والعصرونية والحلوية والشرفية والرواحية فإن جميع هذه المكتبات فقدت برمتها في حادثة تيمور لنك ؛ منها ما استأثر به تيمور لنك وابتاعه ومنها ما انتهبته العامة أثناء تلك الحادثة وطرحوه في زوايا بيوتهم ثم باعوه بأبخس ثمن.
ذكر شجرة الإفادة
ومما يناسب إيراده هنا أن من جملة ما كان في الجامع الكبير من الذخائر الفنية العلمية شجرة دعيت في وقتها شجرة الإفادة. فقد ذكر رضي الدين الحنبلي في كتابه (درّ الحبب) في ترجمة (خليل بن أحمد غرس الدين) أنه هو الذي غرس شجرة الإفادة في شرقي الجامع الكبير اه.
وقد وقع إلي كتاب مخطوط جمع بين دفتيه عدة رسائل في علم الفلك والميقات قرأت في حاشية منه أن هذه الشجرة كانت عظيمة الرواء مصنوعة من حجر ونحاس وحديد ، ذات خطوط وجداول في أصول العلوم الرياضية شبيهة بشجرة ذات جذع ضخم وأغصان وأوراق عظيمة في كل ورقة منها أصل من أصول تلك العلوم. قال صاحب الحاشية : وكان الطلبة يقدمون إلى حلب من البلاد القاصية للاشتغال بالعلوم الرياضية المرسومة في هذه الشجرة.