فلما رأى ذلك عماد الدين زنكي قصده فلما علم الفرنج بذلك جمعوا فارسهم وراجلهم ولم يتركوا من طاقتهم شيئا واستشار عماد الدين أصحابه فيما يفعل فكل أشار بالعودة عن الحصن لقوة الفرنج فقال لا بد من لقائهم لئلا يطمعوا فترك الحصن وتقدم نحوهم فالتقوا واصطفوا للقتال وصبر كل فريق منهم لخصمه واشتد الأمر بينهم ثم نصر الله المسلمين فظفروا وانهزم الفرنج أقبح هزيمة ووقع كثير من فرسانهم بالأسر وقد أخذ منهم السيف كل مأخذ حتى إن عظام القتلى بقيت زمنا طويلا في ذلك الموضع.
ولما فرغ المسلمون من ظفرهم عادوا وتسلموا الحصن عنوة وقتلوا وأسروا كل من فيه وأخربه عماد الدين وجعله دكا. في سنة ٥٣٢ وصل الروم بزاعة وحاصروها وضيقوا على أهلها وملكوها بالأمان ثم غدروا بهم ورحلوا عنها إلى أثارب وملكوها وتركوا فيها سبايا بزاعة وتركوا عندهم من الروم من يحفظهم وساروا إلى شيزر فخرج أسوار نائب زنكي بحلب بمن معه وأوقع بمن في أثارب من الروم فقتلهم وفك أسرى بزاعة وسباياها وبقيت الأثارب بيد المسلمين ولم تعد للفرنج أبدا.
ومما ذكر في التاريخ قرية عين جارة وقرية الهوتة. زعم من تكلم على طلاسم حلب أنه كان يوجد بين هاتين القريتين حجر قائم كالتخم بينهما ، فربما وقع بين أهلهما شرّ فيكيدهم أهل الهوتة بأن يطرحوا هذا الحجر فتخرج نساء أهل القرية الأخرى متبرجات طالبات للرجال إلى أن يعاد الحجر إلى حالته فيعاودهن التمييز ويعدن إلى بيوتهن.
ومن الجهات التي لها ذكر في التاريخ أيضا (شبيث والأحصّ) قال ياقوت بعد كلام طويل : الأحص كورة كبيرة مشهورة ذات قلاع ومزارع بين القبلة وبين الشمال من مدينة حلب قصبتها خناصرة.
قلت : والأحصّ يسميه قوم الخص بالخاء المعجمة وآخرون بالحاء المهملة والجراكسة يقولون إن هذه اللفظة حثية ومعناها المزرعة كما هو معناها باللغة الجركسية ومن هنا يزعمون أنهم هم الحثيون الذين كانوا يملكون هذه الأصقاع.
وأما شبيث فجبل في هذه الكورة أسود في رأسه فضاء فيه أربع قرى وقد خربت