وأما التزام العدل بالحكم على الذميّ وإنقاذه من غدر خصمه وإنصافه ممن ظلمه فقد ورد فيه من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية وأخبار الصحابة ما تضيق هذه الصفحات عن استيعابه.
قصة زيد السمين اليهودي
وحسبنا من ذلك ما حكاه القرآن العزيز من قصة رجل من الأنصار يقال له طعمة ابن أبيرق من بني ظفر بن الحرث وكان منافقا سرق درع جار له يقال له قتادة بن النعمان وكانت الدرع موضوعة في جراب فيه دقيق فجعل الدقيق ينتثر من خرق الجراب حتى انتهى إلى داره. فلما شعر بذلك خاف من التهمة ومال بالجراب إلى دار رجل من اليهود يقال له زيد السمين فخبأها عنده. ثم التمس صاحب الدرع درعه وتبع الدقيق فأداه إلى دار طعمة فطلب منه الدرع فحلف بالله ما أخذها وما له بها من علم. فأمعن صاحب الدرع نظره بالأثر فرآه قد دخل منزل اليهودي فأخذه منه فقال اليهودي : دفعها إليّ طعمة ابن أبيرق وشهد له على ذلك جماعة من اليهود عند النبي عليه السلام.
وكان بنو ظفر قوم طعمة قد بيتوا أمرهم ورتبوا منهم بينة تشهد أن اليهودي هو السارق ، ثم جاؤوا إلى النبي عليه السلام وقدموا بينتهم وقد سأله بنو ظفر أن يجادل عن صاحبهم ويبرئه من عار السرقة فهمّ النبي بذلك وكاد يحكم بعقاب اليهودي فتقطع يده. ثم ظهر له الحق وأطلعه الله على حقيقة الحال فعدل عن أن يجادل عن طعمة واتهمه بالسرقة وحكم عليه بقطع اليد وبرأ ساحة اليهودي من السرقة وأنزل الله عليه في كتابه (إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللهُ وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ) ـ طعمة وقومه ـ (خَصِيماً وَاسْتَغْفِرِ اللهَ) ـ مما هممت به من معاقبة اليهودي ـ (إِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً* وَلا تُجادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ) ـ بالسرقة ـ (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ خَوَّاناً أَثِيماً. يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ) ـ وهو التزوير ـ (وَكانَ اللهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطاً* ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ جادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا فَمَنْ يُجادِلُ اللهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً* وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ) ـ وهو طعمة ـ (ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً) ـ وهو اليهودي ـ (فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً* وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ) ـ من بني ظفر ـ (أَنْ يُضِلُّوكَ وَما