أيام نور الدين محمود زنكي بني فيها جامع حافل أثر منارته باقية (١) حتى الآن. وجميع سكان هذا القضاء أعراب لغتهم العربية البدوية.
الرافقة
وأما الرافقة فهي الرقة القديمة مجاورة الرقة الجديدة وهي البلدة التي كانت مشهورة على شاطىء الفرات ويقال لها الرقتان. وكانت الرافقة بلدة متصلة بناء بالرقة على ضفة الفرات بينها مقدار ثلاثمائة ذراع وكان على الرافقة سوران بينهما فصيل ، وكانت على هيئة مدينة السلام وكان لها ربض بينها وبين الرقة يقال له ربض هرثمة على شاطىء الفرات مدفون فيه يحيى البرمكي وفي هذا الربض كانت أسواق الرقة وكانت الرافقة قد خربت وغلب عليها اسم الرقة ثم بناها عوضا عن الرقة المنصور سنة ١٥٥ كبناء مدينة بغداد ورتب فيها جندا من أهل خراسان وجرى ذلك على يد المهدي ولي عهده ثم بنى الرشيد قصورها وبقي بينها وبين الرقة البيضاء فضاء ومزارع ونقل إليها أسواق الرقة علي بن سليمان بن علي حين ولي الجزيرة.
قلت : ومنذ خمسين سنة وزيادة يشتغل الأعراب وغيرهم بحفر محل الرافقة واستقصاء العاديات منها فخرج منها من ذلك ما يعيا قلم الإحصاء بعدّه من الظروف الخزفية والزجاجية وغيرها. ثم حظرت الحكومة الحفر فيها غير أنه لم يزل يستخرج من أرضها بعض عاديات على صفة خفية.
مدينة الرصافة
وفي هذا القضاء مدينة (الرصافة) وتعرف برصافة هشام. كانت مدينة بقرب الرقة وماء أهلها من الصهاريج وفيها آبار سحيقة رشاؤها مائة وعشرون ذراعا وماؤها ملح. وبينها وبين الفرات أربعة فراسخ. وكان أهلها مشهورين بعمل الأكسية والجوالق والمخالي (٢) تحمل إلى سائر البلاد. وكان هشام يفزع إليها من البق في شاطىء الفرات. وقال الأصمعي : وكان بها دير.
__________________
(١) الوجه أن يقول «باق» لأنه خبر المبتدأ «أثر» ، ولكنه أكسبه التأنيث من المضاف إليه «المنارة».
(٢) الجوالق : أكياس من الخيش توضع فيها الحبوب. والمخالي : جمع مخلاة : ما يجعل فيه العلف ويعلّق في عنق الدابة.