المقريزي عن الوزير البازوي أنه كان مولعا بالتصاوير وكان يشتري الصور التي هي من صنع المصورين الشرقيين بأثمان باهظة. وأورد بهذا الموضوع حكاية غريبة تدل على أن مصوري الإسلام اشتهروا في فن تصوير المناظر التي تخدع الناظر وذكر أنّ من جملة من كان بارعا في هذا الفن : ابن العزيز والقصير وأبو بكر (١) وأحمد بن يوسف المصور ومحمد بن محمد المصور وغيرهم.
فن التصوير في الإسلام
ومما يدلنا على أن فن التصوير كان شائعا متداولا في الدول الإسلامية ما حكاه صاحب كتاب المستطرف نقلا عن أحمد بن حمدون النديم قال : عملت أم المستعين بساطا على صورة كل حيوان من جميع الأجناس وصورة كل طائر من ذهب وأعينها يواقيت وجواهر أنفقت عليه مائة ألف ألف دينار وثلاثين ألف دينار. إلى آخر ما حكاه. وذكر أبو الفداء أن رسل ملك الروم لما قدموا على بغداد كان من جملة ما أعده الخليفة المقتدر في موكب استقبالهم من الزينة شجرة من ذهب وفضة تشتمل على ثمانية عشر غصنا وعلى الأغصان والقضبان الطيور والعصافير من الذهب والفضة والأغصان تتمايل بحركات مصنوعة والطيور تصفر بحركات مرتبة اه.
وخلاصة الكلام أن الأمة الإسلامية بلغت من أكثر العلوم والفنون التي ذكرناها غاية لم يكن ليباريها بها في وقتها أوروبي ولا هندي ولا قبطي. وقد ألفت (٢) في كل فن من هذه الفنون ما لا يحصى من الكتب والرسائل وهي وإن كان يوجد فيها الكثير مما ترجمت أصوله عن اللغات الأعجمية إلا أن العرب زادوا في متونها من المسائل الكلية المهمة ما لم يخطر قط على فكر واضعيها الأولين وقد خرج من بغداد والكوفة والبصرة وأصفهان وسمرقند وغيرها فحول من العلماء والصناع والأطباء والحكماء والشعراء والخطباء مما لا يكاد يقع عليه قلم الإحصاء.
__________________
(١) الوجه أن يقال هنا : «وأبا بكر».
(٢) الصواب حذف تاء التأنيث وأن يقال : «ألّف» تبعا للفاعل وصلته.