وكما راجت أسواق هذه العلوم في الشرق فقد بلغت الذروة العليا في الغرب أيضا ، فإن الحكومة الإسلامية المغربية أرادت مضاهاة الخلافة الشرقية فأطلقت الحرية بالأديان ونشرت العلوم والصنائع والتجارة وبلغت إسبانيا في تلك القرون منتهى طبقات السعادة حتى إن من بقي فيها من المسيحيين قد تألفت قلوبهم مع المسلمين وأصبحت قرطبة مقر العلوم والآداب والبلاغة والفصاحة والتجارة والصناعة وبلغ فيها عدد المدارس والمكتبات الغاية القصوى فإن مكتبة قرطبة وحدها كانت تشتمل على أكثر من ستمائة ألف مجلد من الكتب المختارة ولانتظام أمر التجارة والزراعة والصناعة في المغرب زادت مداخيله زيادة باهظة حتى كانت حكومة إفريقية وحدها تستورد كل سنة اثني عشر مليونا وخمسة وأربعين ألف دينار ، ما عدا الجبايات وأموال الفتوحات وغيرها مما لا يحدّ ولا يعدّ وكان هذا المبلغ في ذلك العصر أعظم من سائر مداخيل أوروبا. وكان يوجد في قرطبة وحدها وهي قاعدة ملك الأندلس ست مائة جامع وتسعمائة حمام ومائتا ألف بيت وكان تحتها ثمانون مدينة من الرتبة الأولى وثلاث مائة مدينة من الرتبة الثانية والثالثة واثنا عشر ألف قرية. وكان هذا النمو العظيم من نتائج العلوم والمعارف وثمرات حرية الشريعة الإسلامية. أما الاسكندرية فقد بلغت من المدارس والمباني العلمية غاية لم تصل إليها قط لا في عهد القياصرة الرومانيين ولا في عهد غيرهم. قال بنيامين السائح الطوليدي إنه بمروره من تلك المدينة وجد فيها للفلسفة فقط عشرين مدرسة تتوارد عليها طلاب الفلسفة من جهات العالم. ونقل ليون الإفريقي أنه كان يوجد في القاهرة مدارس كثيرة أعظمها واحدة كانت أشبه بمدينة صغيرة تكفي لأن يعصى بها عسكر صغير وأما مدارس فاس ومراكش ولاراق فقد شاع ذكرها وملأت البسيطة أخبارها ومن مكتبة فاس ولاراق اغتنت مكتبات أوروبا وأخذ منها الأوروبيون فوائد يكل اليراع بعدها.