قال المازري : لا يلزم من قول أنس لم يجمعه غيرهم أن يكون الواقع في نفس الأمر كذلك ؛ لأن التقدير أنه لا يعلم أن سواهم جمعه ، أو لم يكن حاضرا في ذهنه سواهم. وإلا فكيف الإحاطة بذلك مع كثرة الصحابة وتفرقهم في البلاد ... لذا فإنا لا نسلم حمله على ظاهره ، لكن لا يلزم من كون كل واحد من الجم الغفير لم يحفظه كله أن لا يكون حفظه مجموعة الجم الغفير ، وليس من شرط التواتر أن يحفظ كل فرد جميعه بل إذا حفظ الكل الكل ولو على التوزيع كفى. ويكفى أن نشير أن من قتل يوم بئر معونة في عهده ـ صلىاللهعليهوسلم ـ سبعون قارئا ليبين تهافت حمل هذا الحديث على ظاهره (١).
وقد علق الإسماعيلي على الحديثين بقوله : هذان الحديثان مختلفان ، ولا يجوز أن في الصحيح مع تباينهما بل الصحيح أحدهما.
وقد جزم البيهقي أن ذكر أبي الدرداء وهم والصواب أبي بن كعب.
وقال الداودي : لا أرى ذكر أبي الدرداء محفوظا.
ولا شك أن أبا الدرداء ممن حفظ برواية ذكرها ابن أبي داود برواية حسنة مرسلة.
المهم أن صيغة الحصر لم يقصد منها حصر العدد فيهم فقط ونفيه عن غيرهم لأن الواقع أثبت عكسه.
وفي هذا رد قوي على مزاعم المستشرقين الذين حاولوا تقييد العدد لإضعاف صفة التواتر عن القرآن الكريم وإثبات نقصه بموت بعضهم.
ب ـ نزاهة كتبة الوحي :
استغل المستشرقون حادثة ردة عبد الله بن أبي السرح (٢) ليشككوا في نزاهة كتبة القرآن الكريم حتى زعم بعضهم أنه زاد في القرآن بما يزيد عن خمس
__________________
(١) انظر فتح الباري ٩ / ٥٢ (بتصرف).
(٢) هو عبد الله بن سعد بن أبي السرح أخو عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ من الرضاعة كانت ـ