ما يتحرك فيه من أعمال ، بل هو ما ينطلق منه من منطلقات ، لأنها هي التي تكوّن الدوافع القويّة الضاغطة بشكل شعوري أو غير شعوري عليه ؛ فعلينا أن ندرس منطلقات كل إنسان قبل أن نتعامل معه ، أو نتعاهد معه ، أو نأتمنه على مال أو نفس أو عرض أو قضية من قضايا الحياة العامّة والخاصّة ، لأن العهد لا يمثل شيئا لدى الذين لا يرون الوفاء بالعهد مع بعض النّاس قيمة أخلاقية مهمّة ، مما يجعل من التعاهد لديهم أسلوبا من أساليب استغفال البسطاء والوصول إلى استغلالهم من خلال الثقة الساذجة.
وهذا هو الأساس في ما يجب أن يسير عليه المسلمون في علاقاتهم مع الأفراد والدول والشعوب ، لئلا يقعوا تحت تأثير القيم التي يؤمنون بها بحجّة أنّ الآخرين لا يمكن أن ينفصلوا عنها. فقد لا يؤمن الآخرون بشيء ، ولكنهم يرفعون شعاره ، ليكون ذلك هو الطعم الذي يصطادون به الشعوب الضعيفة الفقيرة ؛ كما نجده في الدول الكبرى التي تعتبر المعاهدات وسيلة لاستغلال الدول الصغرى ، لتحصل على ما تريده من ثروات ومواقف ، ثم عند ما يأتي وقت الوفاء بالتزاماتها الذاتية تجاه تلك الدول الصغيرة ، تبدأ في خلق المشاكل والمعوّقات والأوضاع السياسيّة والاقتصادية الاستثنائية التي تجعلها في حلّ من الوفاء. إن هذه الآيات تتحرك في خط التوعية التي تفتح عيون المؤمنين على الحياة ، ليكونوا في موقع القوّة من الوعي ، ولا يكونوا في موقف الضعف من الغفلة.
ثانيا : ربما نستوحي من تنديد الله باليهود في نظرتهم إلى الآخرين وعدم مسئوليتهم عن أموال الآخرين ، فلهم أخذها من دون مقابل ، أنّ الله سبحانه لا يريد للمسلمين أن يأخذوا بهذه النظرة في تعاملهم مع غير المسلمين ، فيحللوا لأنفسهم مصادرة أموالهم وسرقتها بحجة عدم احترام الكافر ، من حيث المبدأ ، في نفسه وماله ، إلا أن يكون ذميا أو معاهدا ، بلحاظ قانون الذمة والعهد ، وهذا ما درج عليه بعض الفقهاء الذين لا يرون العنوان الحربي أساسا لحلية أموال الكافرين للمسلمين ، بل يرون الأصل عدم الاحترام إلا في صورة الذمة والعهد ، أخذا ببعض الإطلاقات المتضمنة قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «من قال لا إله إلا الله محمد