رسول الله ، حقن بها ماله ودمه وعرضه» ، وأمثال ذلك من الأحاديث التي تربط الاحترام بالإسلام ، مما يجعل الكافر ممن لا حرمة له لكفره ، ولكننا ذكرنا في أبحاثنا أن هذه الإطلاقات ليست واردة في مقام البيان من هذه الجهة ليؤخذ بمضمونها الإطلاقي ، بل هي واردة في مقام بيان إهدار الإسلام مال الكافر ونفسه وعرضه بالحرب عن طريق الغنائم التي يحصل عليها المسلمون من الأموال المنقولة وغير المنقولة ، وعن طريق الأسر والاسترقاق ، أو القتل في حالة الحرب وفي الجرائم التي تتصل بها ... فإذا نطق الكافر بالشهادتين فليس للمسلمين سبيل عليه في نفسه وماله وعرضه ، فالقضية ـ حسب فهمنا ـ تتحرك في دائرة إعلان الحرب عليهم في حالة البقاء على الكفر ، وترك إعلانها ضدهم في صورة الإسلام ، وربما يتأيد هذا الرأي في قوله تعالى : (لا يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ* إِنَّما يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ وَظاهَرُوا عَلى إِخْراجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) [الممتحنة : ٨ ـ ٩] ؛ فإن الظاهر من هاتين الآيتين أن الكافر الذي لم يعلن القتال على المسلمين ولم يخرجهم من ديارهم ، بل كان موقفه موقف اللاحرب في خط السّلام الطبيعي الذي يعيشه الناس مع بعضهم البعض ـ من دون معاهدة أو ذمة بالمعنى المصطلح العقدي للمسألة ـ يستحق التعامل معه بالبرّ في تقديم الخير له بكل ألوانه ، وبالعدل ـ بمفهومه العام ـ الذي يقتضي أن له الحق في ذلك ، باحترام ماله ونفسه وعرضه وعدم الاعتداء عليه إلا بالحق ، ومقتضى ذلك أن الكفر لا يساوي عدم الاحترام ، بل الحرب بمضمونها المباشر وغير المباشر هي التي تقتضي ذلك.
وهذه الآية تحمل الكثير من الإيحاء بأن الخلاف في الدين لا يبرر ـ بمجرده ـ إهدار حرمة الآخرين ، فإن الله ذمّ اليهود على ذلك ، وربما يرى بعض الفقهاء أن الآية لا تدل على أكثر من وجوب أداء الأمانة لا وجوب احترام المال ، ونحن نرى للأمانة خصوصية في المسألة لأنها تتضمن التزاما عقديا من