الشخص المؤتمن بأن يؤدي الأمانة إلى من ائتمنه عليه من خلال مبدأ الوفاء بالالتزام العقدي مع الآخر ، ولهذا فإنا لا نجد علاقة بين موضوع الآية وإهدار احترام مال الكافر.
والجواب عن ذلك أن الأمانة لم تذكر موضوعا في الآية بلحاظ خصوصيتها العقدية ، وإنما لوحظت ـ في سلوك اليهود ـ من حيث إنهم لا يحترمون أموال غير اليهود بقرينة قوله تعالى : (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لَيْسَ عَلَيْنا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ) ، فهم يخونون الأمانة على أساس عدم احترامهم أموال الآخرين لا على أساس أنهم لا يقومون بالوفاء بالتزاماتهم العقدية ، فإذا قام المسلمون بمثل ذلك في سلوكهم استحقوا الذم على ذلك. وربما نلاحظ ـ في هذا المجال ـ أن هناك عقدا إنسانيا بين العقلاء يلتزمونه في سلوكهم الاجتماعي وسيرتهم العملية أن لا يأخذ الإنسان مال غيره بدون حق ، لأن مبدأ احترام الأموال لديهم من أكثر الالتزامات قوّة وقداسة وتأثيرا في العلاقات العامة ، ولذلك نراهم يذمون الذين يأكلون أموال الناس بالباطل ، ويعاقبون اللصوص ، ولا يخرجون عن ذلك إلا في حالة الحرب من دون فرق بين الناس الذين يدينون بدين واحد أو بأكثر من دين.
ثالثا : إن هذه النظرة الفوقية الاستعلائية التي يمارسها اليهود على غيرهم من الناس قد أصبحت تتحرك في نظرة الاستكبار العالمي الذي تمثله دول الغرب إلى العالم الثالث ، وهو عالم المستضعفين الذي يضم الدول العربية والإسلامية وغيرها ، فهي لا تنظر إليها نظرة إنسانية تحفظ لها حقوقها في ثرواتها الطبيعية ، وفي حريتها في تقرير مصيرها ، وفي استقلالها السياسي ، ونحو ذلك ... بل تحاول أن تفرض عليها نظامها العالمي الذي يملك السيطرة على مقدرات الشعوب ، وتعمل على أن تجعل لنفسها الحق في ما لا تجعله لها. فهي في الوقت الذي تتحدث فيه عن حقوق الإنسان ، لا تحترم إنسانية المستضعفين في ذلك ، بل تحترم مصالحها في الدّول التي تطالب فيها بتطبيق هذه الحقوق بما ينسجم مع مصالحها ، ولا ترى لهذه الشعوب الحق في أن