ظاهرة التأليه
لقد حدث في التاريخ الديني القديم ، أنّ بعض الناس قد تطرّفوا في تعظيم الأنبياء الذين كانوا يملكون طاقات روحيّة كبيرة ، وينطلقون في حياة الناس من خلال الدور العظيم الذي أوكل الله إليهم القيام به ، مما استلزم صدور المعجزات على أيديهم لمواجهة التحدي الذي كان يوجّه إليهم من قبل الكافرين ، ولإثبات علاقتهم بالله من خلال النبوّة فنشأ من بعدهم جماعة يؤلهونهم وينسبون إليهم صفات الربوبيّة من خلال ما يدّعونه لهم من أسرار خفيّة في طاقاتهم ترتفع بهم إلى هذا المستوى ، كما حدث ذلك بالنسبة إلى عيسى عليهالسلام في ظاهرة التأليه والغلوّ التي امتدت إلى وقتنا هذا في ما يعتقده النصارى من فكرة المسيح ـ الإله.
وقد حدثت ظاهرة أخرى للتأليه ، وهي ما كان متعارفا لدى بعض العرب أو غيرهم من تأليه الملائكة ، وذلك من خلال الأحاديث الدينية التي تتحدث عن طاقاتهم الخارقة وقدراتهم الكبيرة في أوضاعهم وأشكالهم وأسرارهم.
وربما يتعلل هؤلاء وأولئك بانتماء هذا الفكر إلى الأنبياء ، فهم يدعون الناس إلى أن يكونوا عبادا لهم ، بتقديم فروض العبادة لهم ، وبتقديسهم بالمستوى العظيم الذي يرتفع بهم إلى مستوى الربوبيّة. وقد يحدث ذلك من خلال ما يريد النبي لنفسه من قداسة وتأليه ، وقد يحدث ذلك من خلال ما يفرضه أحد الأنبياء من توجيه الناس إلى عبادة نبيّ آخر ، أو في تأليه الملائكة ، وذلك لما يثيره الأنبياء أمام الناس من قصص وتعليمات في عظمة الملائكة وقداستهم التي تصل بهم إلى مستوى التأليه والربوبيّة.
* * *