وذلك قوله تعالى : (قُلْ) يا محمد لكل هؤلاء الذين يثيرون الخلافات في الأنبياء ليفرقوا في الإيمان بين نبيّ ونبيّ ، فيلتزمون بنبوة شخص وينكرون نبوّة آخر ، في الوقت الذي يفرض الإيمان بالسابق الإيمان باللاحق من خلال بشارته به ، وتصديق الآخر له ، قل لهؤلاء : إن الإيمان الذي تدعو إليه هو الإيمان الشامل الذي يرتكز على الحجة الشاملة للجميع ، (آمَنَّا بِاللهِ وَما أُنْزِلَ عَلَيْنا) من الكتاب (وَما أُنْزِلَ عَلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ) الذين يلتزمون الوحي الإلهي النازل على إبراهيم في الصحف المنزلة عليه (وَما أُوتِيَ مُوسى) في التوراة ، (وَعِيسى) في الإنجيل ، (وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ) كما في زبور داود ، (لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ) فهم ـ جميعا ـ رسل الله في معنى إيماننا (وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) بكل عقولنا وقلوبنا وإرادتنا وحركتنا ، ولذلك فإننا نؤمن بالكتاب كله فلا عقدة عندنا من أيّ نبيّ من أنبياء الله ، ولا مشكلة عندنا في أي كتاب من كتبه المنزلة. والعنوان الكبير الذي يجمع إيمان الرسالات في وجدان إنساني واحد ، هو الانفتاح على الله بكل الذات الإنسانية فلا تنغلق عنه في معنى العقيدة والشرعية والمنهج والحركة والحياة ، بل تلتزمه في ذلك كله ، فهذا هو الدين الواحد المتنوع الأبعاد.
* * *
الإسلام لله دين إنسانيّ
أما الآية الثانية ، فإنها تدعو إلى أن يكون الإسلام لله هو الدين الذي يرتضيه الإنسان لنفسه ، ليتحقق له من خلال ذلك الانقياد لأوامر الله ونواهيه ، والخضوع لرسالات الله التي أرسل بها رسله. فمن لم يتخذ لنفسه ذلك الخط ... (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ) ، لأن الله لا يقبل من الإنسان أن يختار لنفسه ما يشتهي ويريد في ما يقبل وما يرفض ، فلا قيمة لقبوله حقيقة على حساب رفض حقيقة أخرى ، كما هو شأن الذين آمنوا