الناس بقصده والحج إليه لكل من استطاع إلى ذلك سبيلا ، مما يوحي بأنه محل عناية الله ورعايته واهتمامه به ، فلا مانع ـ من هذه الجهة ـ أن يحوّل القبلة إليه ، ليتوجه الناس إليه في صلاتهم كما يتوجهون إليه بالقدوم إليه في حجّهم.
ربما تكون هذه الآيات واردة في هذا الجو ـ كما عن بعض المفسرين ـ وربما لم تكن كذلك بل كانت واردة في مقام تقرير هذه الحقيقة من ناحية مستقلة ، كمقدّمة للحديث عن تشريع الحج من حيث إن ذلك يلتقي بقيمة هذا البيت في ما استهدفه إبراهيم ـ بأمر الله ـ من بنائه ، بأن يكون ملتقى للناس من كل مكان لعبادة الله وللتعاون في ما بينهم على الخير والتقوى ، وللنفع العميم الذي تمثله كلمة البركة ، وللهدى الذي يمتد منه للعالمين من خلال ما يهتدي به الناس عندهم إلى ما فيه صلاح أمر دنياهم وآخرتهم. وفي ضوء ذلك يمكن أن نتوقف أمام عدة أمور في هذه الآيات من أجل أن تتضح لنا معانيها التفصيلية.
* * *
ما معنى أول بيت؟
١ ـ إن معنى قوله تعالى : (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ) ليس هو أنه أوّل ما بني على وجه الأرض ، كما قد يتوهمه البعض ، بل المراد به أول بيت وضع للعبادة والهدى والبركة للناس ... وهذا ما وردت به الرواية عن علي أمير المؤمنين عليهالسلام في ما نقله ابن شهر آشوب عنه ، في قوله تعالى : (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ) الآية ، فقال له رجل : أهو أوّل بيت؟ قال : لا قد كان قبله بيوت ، ولكنه أوّل بيت وضع للناس مباركا ، فيه الهدى والرحمة والبركة. وأوّل من بناه إبراهيم ، ثم بناه قوم من العرب من جرهم ، ثم هدّم فبنته العمالقة ، ثم هدم فبناه قريش (١) ...
__________________
(١) نقلا عن : تفسير الميزان ، ج : ٣ ، ص : ٤٠٧.