الشمول في ما يريده الله لبيته هذا ، كما يوحي به لبقية البيوت ، فقد وضعه الله للناس ولم يجعله لفئة دون فئة ، لأنه وضع لعبادة الله التي لا يختص بها أحد ، فلا معنى لاختصاصه بأحد معيّن. وقد نستوحي منه أن لا تشيد المساجد لتكون لعائلة معينة أو لجماعة معينة ، بحيث تمنع منها بقيّة العائلات أو الجماعات ، لأن المسجد لم يوضع ليتحدد ، بل ليكون شاملا لكل الناس تبعا لشمولية دوره في أن يكون محلا لعبادة الله ربّ العالمين.
وقد جعله (مُبارَكاً) والبركة هي الخير الكثير الذي تمتد منه المنافع والمصالح للناس ، مما يعني أن دور المسجد لا يتحدد بالعبادة بل يتسع لكل منافع الناس ، سواء كانت علميّة أو اجتماعية أو سياسية أو اقتصادية أو غير ذلك من الأمور المتصلة بحياة الناس العامّة. وفي ضوء ذلك كان الدور الإسلامي للمسجد هو أن يكون الملتقى الروحي للناس ، فيعبدون الله فيه ويتعلمون العلوم النافعة لهم في دينهم ودنياهم ، ويجتمعون فيه للتداول في أمورهم الداخلية والخارجية ، فكانت تنطلق من منابره التوجيهات والتخطيطات المتعلقة بتنظيم حياتهم كما تنطلق منها صيحات الجهاد. وسارت حياة المسلمين في مساجدهم على هذا الخط ، فكانت تجسيدا للمفهوم الإسلامي للعبادة التي تنفتح على الله سبحانه ، لينفتح الناس من خلال ذلك على الحياة من مواقعها المضيئة المتحركة في سبيل الخير.
وجاءت عصور التخلّف التي جمّدت عقول المسلمين وأفكارهم فتجمّد كل شيء حولهم ، ونالت المساجد حصّة من هذا التجميد ، فإذا بهم ، حكاما وشعوبا ، ينكرون على العالمين والمصلحين أن يتحدثوا في المساجد بغير الشؤون الدينية الخاصة التي تتحدث عن الجنّة والنار والعبادات والأخلاقيات التجريدية ... فإذا انطلقوا بالحديث إلى ما أمر الله به من مقاومة الظلم والانحراف في شؤون الحكم والسياسة والاجتماع والاقتصاد ، اتهموهم بأنهم يستغلون بيوت الله لغير الأغراض التي وضعها ، تماما كما هي المعابد لدى اليهود والنصارى كما يزعمون ؛ وأثاروا الثائرة عليهم ، بأنهم يعملون على إدخال