وهي تشمل الأحكام المنسوخة في الشرع قطعا ، وقال تعالى : (أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ) [الشعراء : ١٢٨] ، إلى غير ذلك من الآيات» (١).
ولكن ذلك غير ظاهر ، وذلك بلحاظ أن الآيات البيّنات ليست من قبيل المظروف بالنسبة إلى الظرف ، مما يعني وجوده فيه تماما كما هو مقام إبراهيم عليهالسلام ، أمّا الأمن لمن دخل والحجّ إليه فهو من أحكامه وخصائصه الشرعيّة ...
وربما يوجه ذلك بأن الظرفية ليست واردة على سبيل الحقيقة بل على سبيل المجاز ، لا سيما إذا عرفنا أن مقام إبراهيم ليس جزءا من البيت ـ الكعبة ، بل هو خارج عنها ، كما أن السياق جار على أساس بيان مميزات هذا البيت عن البيوت الأخرى ، مما يحتمل ـ معه ـ أن تكون كلمة «في» واردة بمعنى الموازنة والمقايسة ، وربما يؤكد كلام العلامة الطباطبائي ، من نفي إرادة المعجزة من الآية ، أن الله أشار إلى مقام إبراهيم من دون بيان لما ذكره المفسرون من تأثير قدمه في الصخرة التي وقف عليها ، بل ربما كانت الإشارة إلى القيمة الإيحائية لهذا المقام الذي يمنحنا وعي الشخصية الإبراهيمية في عناصرها المميزة الموحية بكل الخط التوحيدي الذي يريد الله للناس السير عليه ، مما يجعل منها في موقعها العبادي آية تدل على الطريق إلى الله في الأسلوب التأملي والالتزامي والعملي. وفي ضوء ذلك يمكن أن نتمثل الآية في الخصائص التي جعلها الله للبيت الحرام في التشريعات التي تتحرك لتصنع واقعا يعيشه الناس في أمنهم في المنطقة الحرام ، وعبادتهم المتحركة المنفتحة على أكثر من أفق في حياتهم حول الكعبة الحرام ، الأمر الذي يؤدي إلى التذكير بالله والارتباط به ، والدلالة عليه من خلال الوضوح في الرؤية والعمق في التفكير والاستقامة في الخط ؛ والله العالم.
* * *
__________________
(١) تفسير الميزان ، ج : ٣ ، ص : ٤٠٥.