الكعبة أرض سلام
(وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً) وهذا وارد في مقام التشريع لا الإخبار ، فإن الواقع غير هذا في كثير من حوادث التاريخ التي استبيحت فيها حرمة البيت ، فقتل فيه ناس كثيرون من قبل الطغاة والظالمين تمرّدا على الأمر الإلهي الذي اعتبره واحة سلام ، فلا يجوز لأحد أن يعتدي فيه على أحد حتى لو كان غريما له في قتل أو مال أو عرض أو غير ذلك ، بل ينتظر حتى يخرج. وقد ورد في بعض الأحاديث عن أئمة أهل البيت عليهمالسلام أنه يمنع من السوق ولا يباع ولا يطعم ولا يسقى ولا يكلم حتى يخرج فيما إذا أحدث جريمة في غير الحرم ثم فرّ إلى الحرم ، أمّا إذا أحدث جريمة في الحرم أخذ فيه ، لأنه اعتدى على حرمة الحرم فلا يبقى له حرمة فيه (١).
وقد نستوحي من هذا الحكم الشرعي في حرمة هذه المنطقة المسمّاة بالحرام التي كانت الكعبة البيت الحرام أساسا لحرمتها ، أن الله سبحانه أراد أن يجعل موقعا من الأرض منطقة سلام يتخفف الناس فيها من أحقادهم وعداواتهم ، ويعيشون في داخلها أعلى درجات الصبر في السيطرة على نوازع النفس الممتلئة بالحقد والعداوة والبغضاء ، بحيث إن الإنسان يرى قاتل أبيه أو ولده فيقابله وجها لوجه فلا يعرض له ، بالرغم من ضغط التقاليد العشائرية الجاهلية القائمة على الأخذ بالثأر احتراما لله في بيته المحرّم ، فلا يسيء إليه ، ولا ينقص من حرمته ، مهما كانت الحالة النفسية ضاغطة عليه مما يجعل الإنسان يعيش تجربة روحية فريدة تمنحه الفرصة للتأمل في النتائج السلبية المترتبة على الثأر ، أو في طبيعة المسألة في خلفياتها وامتداداتها ليتعرف وجه الصواب والخطأ في انطباعاته التي كوّنها تجاه الموضوع ، فقد تكون النتيجة أن يتحول هذا السلام النفسي ـ ولو في هذه المنطقة ـ إلى حالة سلام في الواقع
__________________
(١) انظر : البحار ، م : ٣٥ ، ج : ٩٦ ، باب : ٧ ، ص : ٢٩٧ ، رواية : ١٥.