قول الله عزوجل : (اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ) قال : يطاع فلا يعصى ، ويذكر فلا ينسى ، ويشكر فلا يكفر (١). ورواه في الدر المنثور عن ابن مسعود ، مسندا إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم (٢) ... وهذا المعنى هو التعبير الحركي للحضور الدائم لله في وعي الإنسان ، بحيث لا يغيب عن خاطره في كل شيء يحيط به ، وفي كل وجه يتوجه إليه ... ونستوحي من ذلك أن التقوى حق التقوى هي السير على خط العبودية التي تعيش الحضور الدائم لله في الفكر والحركة والشعور ، لأنها تنطلق في الحياة على أساس ما تمثله من ارتباطها بالله ، فلا شيء فيها إلا وهو مظهر من مظاهر قدرته ، ودليل واضح على وجوده ، ولطف من ألطاف نعمته. فإذا عاش الإنسان ذلك في نفسه ، كانت الطاعة حركة حياته تبعا للشعور العميق بالعبوديّة ، وكان الوعي لوجود الله شعوره الدائم انطلاقا من وضوح الرؤية في وجدانه ، وكان الإحساس بالنعمة سبيلا روحيا للشعور بالحاجة إلى شكره من خلال ما توحيه الإنسانية المنفتحة على الله بالاعتراف الجميل بالنعمة.
وهذا هو الخط الواعي للتقوى الذي يمكن أن يكلّف به الإنسان من خلال قدراته المحدودة ، التي لا تستطيع أن تدرك سرّ الله في عمقه وامتداده ، لترتفع إلى المستوى الأعلى من معرفته .. وهذا هو التكليف الذي تنوعت الآيات القرآنية في التأكيد عليه من خلال ما جاء من آيات قرآنية تتحدث عن إطاعة الله ورسوله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وعن ذكر الله في جميع الحالات ، وعن استحضار نعم الله في نفس الإنسان وشكره عليها بالعمل فيها بما يرضيه والابتعاد بها عما يسخطه.
* * *
__________________
(١) البحار ، م : ٢٤ ، ج : ٦٧ ، ص : ١٧٠ ، رواية : ٣١.
(٢) انظر : الدر المنثور ، ج : ٢ ، باب : ٥٦ ، ص : ٢٨٢.