ثم نلتقي بالنبي سليمان عليهالسلام الذي قال : (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) [ص : ٣٥] واستجاب الله دعاءه : (فَسَخَّرْنا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخاءً حَيْثُ أَصابَ* وَالشَّياطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ* وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ* هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ) [ص : ٣٦ ـ ٣٩]. فليس في القصة إلا دعاء واستجابة ربانية أعطته ما يريد من دون أن يكون له أيّ دور عملي أو قدرة واقعية في تحقيق ذلك.
ونصل ـ بعد هذه الجولة الطويلة ـ إلى عيسى عليهالسلام الذي قد يدّعى ظهور الآية في صدور المعجزة عنه من خلال جهده الذاتي الذي اكتسبه بإذن الله ، وهذا هو ما جاء في الآية الكريمة : (أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِ الْمَوْتى بِإِذْنِ اللهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ وَما تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ) فنلاحظ أنه ينسب الخلق إلى نفسه ، كما يتحدث عن عملية إبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى والإخبار بالغيب في أوضاع الناس الخاصة إلى جهده وفعله الشخصيّ ، ولكن بإذن الله.
وربما يجد القائلون بالولاية التكوينية الحجة الدامغة في هذه الآية الكريمة ، ولكننا نستوحي من كلمة : (بِإِذْنِ اللهِ) في هذه الآية ، أو كلمة : (بِإِذْنِي) [المائدة : ١١٠] أن دور عيسى كان دور الآلة التي تتحرك لتصنع شيئا كهيئة الطير وتنفخ فيه ، فيبعث الله فيه الحياة. وهكذا يضع يده على الأكمه والأبرص وعلى الميت ، فتحدث العافية في الأولين ، وتنطلق الحياة في الثالث من خلال إرادة الله.
من هنا ، فإنّ كلمة (بِإِذْنِ اللهِ) لا تعني معناها الحرفي اللغوي ، بل تعني معنى القوة التي تنطلق لتحقق النتائج الحاسمة التي لا يملك عيسى عليهالسلام أيّة طاقة خاصة به فيها.
وهكذا نرى أنه لا دليل في كل هذه المواقع على الولاية التكوينية في