وحار المفسرون في تحديد معنى هذه الكلمة ؛ فهل تعني الموت أم تعني بلوغ الحدّ الذي حدده الله له في الأرض في ما توحيه كلمة «التوفية» من معنى بلوغ الحدّ؟!. ويرى البعض أن إطلاق الوفاة على الموت كان على أساس هذه الملاحظة ، باعتباره نهاية حدّ الحياة من دون أن يكون لموت الحياة في الجسد مدخلية في طبيعة المعنى ، فذهب البعض إلى أن الله قبضه إليه بضع ساعات ثم أحياه ، وذهب آخرون إلى أن الله رفعه إليه من دون أن يقبض روحه ، لأنه سيعيش إلى نهاية الحياة الدنيا.
وقد انطلقت الفكرة التي ترى في مادة الوفاة معنى لا ينطبق على الموت من خلال القول : إن «التوفي أخذ الشيء أخذا تاما ، ولذا يستعمل في الموت لأن الله يأخذ عند الموت نفس الإنسان من بدنه ، قال تعالى : (تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا) [الأنعام : ٦١] أي أماتته ، وقال تعالى : (أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ) إلى أن قال : (قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ) [السجدة : ١١] ، وقال تعالى : (اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرى) [الزمر : ٤٢]. والتأمل في الآيتين الأخيرتين يعطي أن التوفي لم يستعمل في القرآن بمعنى الموت ، بل بعناية الأخذ والحفظ ؛ وبعبارة أخرى إنما استعمل التوفي بما في حين الموت من الأخذ ، للدلالة على أن نفس الإنسان لا يبطل ولا يفنى بالموت الذي يظن الجاهل أنه فناء وبطلان ، بل الله تعالى يحفظها حتى يبعثها للرجوع إليه» (١).
ولكن الظاهر أن كلمة «الوفاة» استعملت في الأخذ الخاص وهو الموت ، وأمّا في الآية الثانية فلمقابلة الكلمة بقوله : (وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ) مما يوحي بأن المراد بالوفاة الموت ، ولكنه استعمل هذه الكلمة تفننا في التعبير ، كما في الآية الثانية ، وأما في الآية الأولى ، فلأن الإشارة في كلمة (يَتَوَفَّاكُمْ) إلى الوفاة الخاصة التي تنفصل فيها الروح عن الجسد الذي هو المصداق الحقيقي
__________________
(١) تفسير الميزان ، ج : ٣ ، ص : ٢٣٨ ـ ٢٣٩.