للمعنى ، وهو «أخذ الشيء أخذا تاما». أما ملاحظة أنه استعمل كلمة «التوفي» للدلالة على أن نفس الإنسان لا تبطل ولا تفنى بالموت فلا قرينة عليه من اللفظ ، بل الظاهر من الحديث عن وفاة النفس ووفاة الأشخاص هو التأكيد على المعنى الطبيعي للموت الذي يسند إلى النفس أو الإنسان من خلال دلالتهما على الذات ، وليس هناك أية إشارة إلى مسألة فناء النفس وعدم فنائها ، من حيث هي موضع الجدل بين المثبتين والمنكرين.
... وقد جاء التعبير عن النوم بكلمة «التوفي» كما في قوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ) [الأنعام : ٦٠] وهذا ما اعتبره البعض بأن الكلمة استعملت في معناها المطابقي وهو الأخذ ، لا في معناها المتعارف وهو الموت ؛ لكن يمكن أن يردّ هذا بأن «التوفي» استعمل في الموت بطريقة المجاز بمعنى تنزيل النوم منزلة الموت بلحاظ أنه موت مؤقت ، وأن النائم ـ كما يقول البعض ـ ميت يتنفس ، وربما كان هذا ظاهرا من قوله تعالى : (فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرى إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) فكأن النفس تموت في النوم موتا مؤقتا قد يمتد في الزمن وقد يتحول إلى حياة ، ولعل الكلمة النبوية الشريفة المشهورة توحي بذلك ، وهي «لتموتن كما تنامون ولتبعثن كما تستيقظون» (١) والله العالم.
وقال بعض المتأخرين من المفسرين : إن الله أخفاه عن أعين الناس ، فعاش عيشة طبيعية بعيدا عن أنظارهم حتى قبضه الله ورفعه إليه كما يرفع كل عباده إليه بروحه. وهذا حديث لا نريد أن نفيض فيه كثيرا ، لأنه قد يدخل في باب الرجم بالغيب في بعض تفاصيله ، وقد لا نصل فيه إلى نتيجة محدّدة حاسمة ، ولا نجد فيه كبير فائدة في ما يتصل باستيحاء القرآن لحياتنا الفكرية والعملية ... فإننا نعلم أن الله سبحانه قادر على كل شيء في أصل الخلق وفي أشكاله وأوضاعه وطريقة بقائه وفنائه ، فليس هناك حد لقدرته وإرادته ، فالله
__________________
(١) البحار ، م : ٣ ، ج : ٧ ، باب : ٣ ، ص : ٢٤٨ ، رواية : ٣١.