القادر على أن يرفع الإنسان بروحه قادر أن يرفعه بجسده ، والله الذي يريد للإنسان أن ينهي حياته في الأرض بالموت هو الذي يريد له أن ينهيها بغير ذلك. وهذا ما نريد أن نجمله من التفصيل الذي خاضه المفسرون في قوله تعالى : (وَرافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا) فإن الفكرة ـ كل الفكرة ـ هي أن الله قد دبّر بحكمته وبخطّته الخفية خلاص عيسى عليهالسلام من اضطهاد اليهود ومن محاولتهم قتله. أما ماذا فعل ، وما الخطة؟ فذلك مما اختص الله بعلمه ، فلنرجع الأمر فيه لله ، في ما يريد أن يعرفنا إياه ، وما لا يريد أن يعرفنا سرّه ...
ولكن هنا ملاحظة تفسيرية ذكرها العلامة الطباطبائي (قدسسره) في تفسير الميزان حول كلمة (وَرافِعُكَ إِلَيَ) حيث قال : «إن المراد بالرفع الرفع المعنوي دون الرفع الصوري ، إذ لا مكان له تعالى من سنخ الأمكنة الجسمانية التي تتعاورها الأجسام والجسمانيات بالحلول فيها ، والقرب والبعد منها ، فهو من قبيل قوله تعالى في ذيل الآية : (ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ) ، وخاصة لو كان المراد بالتوفي هو القبض لظهور أن المراد حينئذ هو رفع الدرجة والقرب من الله سبحانه ، نظير ما ذكره تعالى في حق المقتولين في سبيله : (أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ) [آل عمران : ١٦٩] وما ذكره في حق إدريس عليهالسلام : (وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا) [مريم: ٥٧].
وربما يقال : إن المراد برفعه إليه رفعه بروحه وجسده حيّا إلى السماء ، على ما يشعر به ظاهر القرآن الشريف ، أن السماء أي : الجسمانية هي مقام القرب من الله سبحانه»(١).
وإننا نرجح الوجه الثاني ، من خلال ظاهر الآية ، لأن التعبير بالرفع إليه يوحي ـ من الناحية التعبيرية ـ بالجانب المكاني الذي يختص به ويمثل موقع العلوّ لديه الذي يتناسب مع علوّ مقامه وسموّ شأنه ، حتى أن كلمة : (أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ) توحي بذلك من خلال الذهنية الإيمانية التي تختزن في داخلها معنى
__________________
(١) تفسير الميزان ، ج : ٣ ، ص : ٢٤٠.