القدس عام (٩٦٠ ق. م) أي بعد موت موسى عليهالسلام بأربعمائة وتسعين عاما. وذلك أنّ الكهنة ـ حينذاك ـ فتّشوا التابوت فلم يجدوا فيه سوى لوحين من ألواح الشريعة. (١) ولم يكن على اللوحين المذكورين سوى عشرة من أحكام الشريعة ، أمّا البقية فقد ضاعت إلى غير أثر. (٢)
وهل عثروا عليها بعد ذلك العهد؟
جاء في سفر الملوك الثاني (أصحاح ٢٢ ، عدد ٨) : أنّ «حلقيّا» الكاهن الأعظم عثر على سفر الشريعة أثناء محاسبته للنقود المتبرّعة في صندوق البيت. وذلك بعد أن مضى من ملك «يوشيّا» (٣) سبعة عشر عاما ، أي سنة (٦٢٢ ق. م) فسلّمه إلى كاتب الملك «شافان» الذي كان ناظرا في أمر العمّال الشاغلين لترميم ثلم البيت آنذاك. فجاء به شافان إلى الملك فاستبشر به وطار فرحا ، لما فيه من نعمة غير مترقّبة. فأعلن به الملك وقرأه على عامة بني إسرائيل في اجتماع عظيم.
وكان بنو إسرائيل قد انحرفوا قبل ذلك وأفسدوا واتّخذوا الأصنام ، فاهتمّ الملك بإعادة الشريعة وتطهير البيت من الأوثان ، وطرد السحرة والعرّافين وجميع الرجاسات من أرض يهوذا ومن كافّة أنحاء اورشليم. هكذا يصفه سفر الملوك الثاني : كان متّجها بكلّ قلبه إلى الله ، ساعيا في إحياء شريعته بكلّ قوّة. فلم يكن قبله ولا جاء بعده أحد مثله. (٤)
هذا ، ولكنّ الأمر مريب ، وهل كان «حلقيّا» صادقا في عثوره على سفر الشريعة بعد ضياعه ذلك الأمد البعيد؟ فقد طال دور الضياع أكثر من ثلاثة قرون (٣٣٨) من سنة (٢٦٠) إلى (٦٢٢) قبل الميلاد ، وكان الخطوب خلال هذه المدّة تترى على القدس ، فقد تعرّض البيت للنهب والغارة مرّات ، منها عام (٩٢٧ ق. م) حيث أغار «شيشاق» فرعون
__________________
(١) ـ الكتاب المقدّس (العهد القديم) ، ص ٥٤٥.
(٢) ـ أنيس الأعلام ، ج ٣ ، ص ١٧٠. وراجع : الجزء الثاني أيضا ، ص ٢٢ ـ ٢٣. وراجع سفر التثنية (إصحاح ٥ ، عدد ٢٢) ، الكتاب المقدّس (العهد القديم) ، ص ٢٨٨.
(٣) ـ ملك يوشيا إحدى وثلاثين سنة أي من عام (٦٣٩) إلى (٦٠٩) ق. م.
(٤) ـ العهد القديم ، ص ٦٢٧ ـ ٦٢٨ ، إصحاح ٢٣ ، ع ٢٤ ـ ٢٥ ، الملوك الثاني.