٣ ـ مسألة الإعجاز
ممّا يتنافى واحتمال التحريف في كتاب الله هي مسألة الإعجاز المتحدّى به. وقد اعتبره العلماء من أكبر الدلائل على نفي التحريف :
أمّا احتمال الزيادة ، كما احتمله أصحاب ابن عجرد من الخوارج ، قالوا بزيادة سورة يوسف في القرآن ، لأنّها قصّة عشق ولا يجوز أن تكون وحيا. (١) وكما زعمه ابن مسعود بشأن سورتي المعوذّتين ، كان يحكّهما من المصحف ويقول : إنّهما عوذتان وليستا من القرآن. (٢)
فهذا كلّه احتمال باطل ، إذ يستدعي ذلك أن يكون باستطاعة البشرية أن تقوم بإنشاء سورة كاملة تمائل سور القرآن تماما. وقد قال تعالى : (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً). (٣)
وقال : (أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ). (٤)
وقال : (أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ). (٥)
وقال : (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ). (٦)
فهذا التحدّي الصارخ يبطل دعوى كلّ زيادة في سور القرآن وآياته الكريمة.
وكذا احتمال التبديل ، فإنّ المتبدّل لا يكون من كلامه تعالى وإنّما هو من كلام مبدّله ، والكلام إنّما يسند إلى قائله إذا كانت مجموع الكلمات مستندة إليه لا البعض دون البعض.
إذن فاحتمال التبديل ولو في بعض كلمات القرآن يبطل إسناد مجموع الكتاب إليه سبحانه وتعالى.
ومن ذلك تعلم فساد ما زعمه الشيخ النوري ومن قبله السيد الجزائري ، ومن لفّ لفّهما بشأن كثير من كلمات قرآنية ، أنّها متبدّلات عمّا جاء في كلامه تعالى. زعموا من
__________________
(١) ـ الملل والنحل للشهرستاني ، ج ١ ، ص ١٢٨.
(٢) ـ فتح الباري لابن حجر ، ج ٨ ، ص ٥٧١.
(٣) ـ الإسراء ١٧ : ٨٨.
(٤) ـ هود ١١ : ١٣.
(٥) ـ يونس ١٠ : ٣٨.
(٦) ـ البقرة ٢ : ٢٣.