التحريف بالمعنى ، وكانت جرأتهم على هذا التصرّف في تفسير البشارات هي التي مكّنتهم من مقابلة النبي صلىاللهعليهوآله بالإنكار والجحود.
وقال الزمخشري : (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ) (١) أي يميلونه عنها (٢) واللفظ إذا لم يفسّر وفق ظاهره أو بحسب القرائن فقد اميل عن موضعه.
والخلاصة : كان تحريف العهدين الذي أشار إليه القرآن إمّا بسوء التأويل ـ أي التصرّف في تفسيرهما بغير الحقّ ، من غير أن يمسّوا يدا إلى لفظ الكتاب ـ أو مع تغيير في لهجة التعبير عند النطق بالكتاب ، كما قال تعالى : (وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتابِ وَما هُوَ مِنَ الْكِتابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَما هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ). (٣)
لأنّ اللفظ إذا لهج به على غير لهجته الاولى لم يكن نفسه وإنّما هو غيره ، وإنّما كانوا يعمدون إلى ذلك ذريعة لكتمان الحقيقة وإخفاء البشائر بمقدم نبيّ الإسلام صلىاللهعليهوآله.
أمّا التحريف بمعنى الزيادة أو النقصان أو تبديل الكلم إلى كلمات غيرها ـ الذي هو معنى اصطلاحي ـ فلم يعهد استعماله في القرآن ، حسبما عرفت.
مزعومة نسخ التلاوة
هناك مزعومة لهج بها كثير من أصحاب الحديث وجماعة من اصوليّ العامّة ، حاولوا معالجة ما صحّ لديهم من روايات تنمّ عن ضياع كثير من آي القرآن ، فحاولوا توجيهها باسلوب مختلق ، قالوا : إنّها من منسوخ التلاوة ، ولو فرض الحكم باقيا مع الأبد. كما في آية «الرضعات العشر» وآية «رجم الشيخ والشيخة» وآية «لا يملأ جوف ابن آدم إلّا التراب» وغيرهنّ كثير ، حسبوها آيات قرآنية ، كانت تتلى على عهده صلىاللهعليهوآله ، لكنّها رفعت فيما بعد ونسيت عن الصدور ، وإن بقي حكمها واجب العمل أبدا. وبهذا الاسلوب الغريب
__________________
(١) ـ النساء ٤ : ٤٦ والمائدة ٥ : ١٣.
(٢) ـ الكشّاف ، ج ١ ، ص ٦٣٣.
(٣) ـ آل عمران ٣ : ٧٨.